إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









القسم الأول: الجغرافيا الطبيعية

(1) استخدام نظرية النُّظُم في تحليل العلاقات البيئية

تقوم فكرة النظرية على تقسيم البيئة المحيطة، إلى عدد من النظُم المترابطة لكلٍّ منها حدود واضحة؛ ويمكن قياس مدخلاته ومخرجاته من الطاقة والمادة؛ وهو مكون من عدد من العناصر، التي تتفاعل في داخله (انظر شكل نموذج لنظام)؛ وترتد آثار بعض مخرجاته على التفاعلات الداخلية.

قد يكون التعريف بنظرية النظُم مدخلاً مفيداً، لمناقشة موضوع العلاقات البيئية مناقشة كلية. وهي، من منظور بيئي، تحدد العلاقات المتبادلة، في الطبيعة. كانت بداية فكرة النظرية على يد العالم البيولوجي، "لودويج فون بيرتيلانفي" Ludwig Von Beralanffy، في العشرينيات من هذا القرن، في إطار محاولته تأكيد القوانين، التي تحكم حياة المخلوقات الحية. وقد استخدمت الفكرة، لاحقاً، عام 1949، في دراسة آلية الضبط في العلاقات الطبيعية. وهذه الفكرة، التي تقوم على تقسيم الكل إلى عدد من النظُم المترابطة، فحواها أن التغير في أحد عناصر النظام، سيقود، حتماً، إلى تغيرات متفاوتة في جميع العناصر الأخرى.

اقترح عالِما الجغرافيا الطبيعية: تشورلي وكيندي Chorley, & Kenndy في أوائل السبعينيات، في كتابهما: "الجغرافيا الطبيعية: بطريقة النظم “Physical Geography: A System approach”، استخدام النظرية الآنفة في تحليل الظاهرات الجغرافية. وقَدَّماها كأداة لتقسيم كلِّ معقد، هو البيئة، إلى أنظمة فرعية مترابطة Subsystems؛ قد يرتبط بعضها بتفاعلات طبيعية، وبعضها الآخر بتفاعلات بشرية. لذا، فالنظرية تسهل التعامل مع أنظمة فرعية، مرتبطة بمؤثرات مختلفة، وتحكمها نظُم تفاعل مختلفة؛ وتحافظ على النظرة الكلية بتحليل التفاعل بين الأنظمة الفرعية.

يعزى الاستخدام الواسع لنظرية النظُم، في العلوم الطبيعية، إلى أنها تعطي الباحثين إطاراً، لتحديد وقياس عناصر النظم البيئة وعملياتها وتفاعلاتها ومدخلاتها ومخرجاتها؛ ما يسهّل التنبؤ باتجاهات تغيُّرها، وطبيعة استجابتها للتغيرات المتوقعة.

في الواقع، كل النظم البيئية نظم مفتوحة، تعبُر المادة والطاقة حدودها، في الاتجاهين. وهي، بطبيعتها، في حالة استقرار ديناميكي؛ إذ تتوازن عناصر النظام، وعملياته، ومدخلاته، ومخرجاته. ويحافظ على هذه الحالة من التوازن، بآلية للضبط الداخلي، يطلق عليها آلية التغذية السلبية الراجعة Negative Feedback Mechanism. فالتوزيع غير المتوازن لحرارة الكون، مثلاً، يقابله الدورة الهوائية، التي تنقل الطاقة الحرارية، من المناطق المدارية نحو القطبَين. وعلى النقيض من ذلك، فإن لآلية التغذية الإيجابية الراجعة Positive Feedback Mechanism أثراً معاكساً تماماً؛ وهي عامل أساسي من عوامل التغير البيئي. ومثال ذلك، تدمير الغطاء النباتي، يقود إلى تعرية التربة؛ وتعرية التربة، تحُول دون نمو الغطاء النباتي، مرة أخرى. ولكن التغذية الإيجابية الراجعة، تحدث، عادة، بالتدريج؛ وذلك لأن النظُم البيئية، بتفاعلاتها الداخلية، وتغذيتها السلبية الراجعة، تميل إلى استعادة التوازن، وعدم التغيير؛ فيكون هناك وقت، بين التغير في المدخلات، أو محفزات التغير، والاستجابة، أو التغير في مخرجات النظام؛ وذلك باستثناء الكوارث الطبيعية، كالثورانات البركانية، أو الزلازل.

كان المحفز الرئيسي للتغدية الإيجابية الراجعة، في النظُم البيئية، وللتغيرات البيئية، خلال العصور الجيولوجية، هو التغيرات المناخية. ولكن، في الفترة الأخيرة، أصبح النشاط الإنساني، هو أكثر عوامل التغذية الراجعة الموجبة فاعلية. والواقع، أنه لا يوجد نظام من الأنظمة البيئية الكثيرة، لم يتأثر بالأنشطة البشرية. وفي معظم الحالات، كان التأثير متعمداً من قبل الإنسان، مثل قطع الغابات في أوروبا، سابقاً، وفي المناطق المدارية، حالياً. وفي كثير من الحالات، أمعِن فيه، فأسرِف، مثلاً، في استعمال الوقود الأحفوري[1]، الذي ظهرت آثاره، في الوقت الحاضر، في الضغط الحمضي[2] على الأنظمة الأيكولوجية. وبدأ العالم، الآن، يتنبه لاحتمال ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمي، الذي يمكن أن ينتج من ازدياد تركّز غاز ثاني أكسيد الكربون، والغازات الحابسة[3] الأخرى، في الغلاف الغازي.

التغيرات المذكورة، وغيرها كثير، نجمت عن تأثر آلية الضبط الداخلي لأنظمة سطح الأرض، بمؤثرات خارجية، معظمها بشرية، أو ناشئة عن النشاط البشري. وتحولت إلى مشكلات مزمنة؛ لأن التغذية الإيجابية الراجعة، كانت أقوى من عوامل التوازن داخل الأنظمة البيئية؛ ما أدى تغيرات ملحوظة. نظرية النظُم تقدم إطاراً عملياً، يمكن من خلاله تطوير حلول لمشكلات مزمنة، الحيلولة دون نشوء مشكلات جديدة وتفاقمها؛ مع أن ذلك يتطلب تحليلاً مستفيضاً للعلاقات المتبادلة، بين نظُم سطح الأرض، وفي داخلها والأصعب من ذلك، أنه يتطلب تحديد القيم الحرجة[4] Thresholds. إن تحديد القيم الحرجة، سيكون خطوة بعيدة المدى، للحيلولة دون تدهور المصادر؛ وهو أمر حيوي، عند استبدال سياسة المحافظة بسياسة الاستنزاف والتدمير. مثلاً، كم من الغطاء النباتي، في منطقة ما، يمكن أن يزال قبل أن تحدث تعرية فعلية للتربة؟ أو ما هي المحاصيل، التي يمكن زراعتها، لتوفر للتربة أقصى قدر من الحماية من التعرية؟ يقول آرثر تانسلي Arthur Tansley 1935، في العلاقة بين النظام الأيكولوجي والنظُم العامة: "إن المفهوم الأساسي، هو النظام الشامل، الذي لا يقتصر على الأحياء فقط؛ وإنما يشمل، كذلك، العوامل الطبيعية المعقدة، التي تشكل ما نسميه البيئة".

كما استخدمت نظرية النظُم، كمنهج لفهْم التفاعلات الاجتماعية. ولكن، لم تثبت فاعليتها في تحليل التفاعلات، الاقتصادية والاجتماعية، المتبادلة؛ لسببَين:

أولهما: أن قدرة الباحثين والعلماء في العلوم الاجتماعية، على إدراك وتحديد العلاقات المتبادلة بين الأنظمة الاجتماعية الفرعية Social Subsystems ـ محدودة، لا تسمح بتطبيق نظرية النظُم؛ وذلك على الرغم من التقدم، الذي أحرزه العلماء، في فهْم تركيب الجماعات واتجاهاتها، في العلاقات، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وهذا لا يعني أن نظرية النظُم غير ذات فائدة، في هذا الجانب؛ ولكنها، بالتأكيد، ليست الأسلوب الأمثل للتحليل، في الوقت الحاضر.

ويُنْتَقَد على تطبيق نظرية النظُم على الجوانب البشرية، أنها لا تراعي روح الإبداع والابتكار، في المجتمعات البشرية؛ فعلى الرغم من الفهْم القاصر للمجتمعات، فإن كثيراً من العلاقات والروابط، الاجتماعية والسياسية، التي تقوم بين الناس، يمكن تحليلها، لبلوغ درجة أفضل من الفهْم، وللوصول إلى توقعات مستقبلية. وذلك واضح في العلاقات الاقتصادية، مثلاً؛ إذ أمكن الوصول إلى توقعات قصيرة الأجل، ناجحة، لردة فعل الناس، حيال بعض التغيرات الاقتصادية. ولكن بني الإنسان قادرون على ابتكار سُبُل جديدة، لتنظيم أنفسهم، بل يمكن أن يغيروا قِيمهم وتنظيماتهم السياسية. وهذه التغييرات، تعني أن التحليلات السابقة، فقدت فاعليتها؛ وأن مناهج جديدة لتوقع التغييرات الاجتماعية وفهمها، باتت مطلوبة. ومع أن نظرية النظُم قادرة على تحليل النظْم البيئية الديناميكية، إلى أنها عاجزة عن ملاحقة التغييرات المتجددة في العلاقات البشرية، التي هي من خصائص الأنظمة البشرية.

على الرغم من الحماس، الذي حظيت به نظرية النظم، من علماء الاجتماع، في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، إلا أنها لم تتمخض بفهْم أعمق للمجتمع البشري. ولم يتمكن مستخدموها من إثبات أن استخدامها في فهْم المجتمع، من خلال تحليل التفاعلات المرافقة للعمليات الاجتماعية المعقدة ـ أشدّ فاعلية في تحليل التغيرات الاجتماعية، من الأساليب الأخرى. وعلى الرغم من قصورها عن تحقيق النجاح المطلوب، فإن هناك اتجاهاً، في الوقت الحاضر، لبناء نماذج تحليلية، على أساسها. وسبب انبعاث هذا الاتجاه من جديد، هو تجدد الاهتمام بالمشكلات البيئية العالمية، والحاجة إلى الوصول إلى سيناريوهات محتملة للتغيرات المستقبلية، التي قد تنتج من تبنِّي سياسات معينة.

 



[1]  الوقود الأحفوري: مركبات هيدروكربونية تتكون طبيعياً من المخلفات العضوية المطمورة تحت سطح الأرض منها الفحم، والنفط، والغاز الطبيعي.

[2]  من مظاهر الضغط الحمضي تسرب أحماض التعدين ن مناجم الفحم Acid mine drainage، والمطر الحمضي Acid Rain.

[3]  الغازات الحابسة للحرارة في الغلاف الغازي: ثاني أكسيد الكربون CO2، وبخار الماء H2Oن والميثان CH4، وأكاسيد النيتروجين N2O، والفريون CFC5.

[4] القيمة الحرجة لأي متغير هي النقطة التي تبدأ عندها استجابة المتغيرات الأخرى، وتأثرها بالمتغير. مثلاُ، القيمة الحرجة لتحرك حبيبات الرمل من حجم معين مع الريح، هو مقدار سرعة الرياح السطحية الذي تبدأ عنده حبيبات الرمل بالتحرك.