إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات جغرافية وظواهر طبيعية / الموسوعة الجغرافية المصغرة









سادساً: الجغرافيا التاريخية Historical Geography
ب. الأسباب المحتملة للفترات الجليدية

يُبين علم دراسة المناخات القديمة Paleoclimatogy أنها كانت شديدة الاختلاف عن تلك المناخات السائدة حالياً. وقد سيطرت خلال الثلاثة أو الأربعة ملايين سنة الأخيرة (ومنها المليون سنة الأخيرة المعروفة بعصر الجليد) فترة باردة مع مراحل "جليدية" سمحت لحيوانات الرنّة والماموث (الفيل المنقرض Mammoth) بالعيش في فرنسا. ثم أتى بعد هذه المراحل، مراحل أخرى، ما بين جليدية وحارة، أدت إلى هروب حيوانات الرنة نحو الشمال، وعودة الأفيال والبرانيق (فرس النهر) إلى ضفاف نهر السين.

وفي فترات جيولوجية أخرى أكثر قدماً، ساد المناخ "الجاف الصحراوي" في غرب أوروبا، مع وجود مساحات صخرية ناجمة عن تبخر المياه، يصل سمكها إلى عدة مئات من الأمتار. وكان يسود غرب أوروبا أحياناً مناخ معتدل، حار، ورطب، يسمح للغابات بالانتشار، ويؤيد ذلك ضخامة المادة الأولية لطبقات الفحم. وفي جهات أخرى توجد آثار مناطق جليدية كبرى أو نباتات معتدلة كما هو الحال في جرينلاند (بالمنطقة القطبية الشمالية).

وعلى الرغم من أن التغيرات المناخية، التي تعرض لها العالم في الزمن الرابع أصبحت حقيقة واقعة فإن الآراء تباينت في أسباب حدوثها، ولم يصل أي رأي إلى تفسير دقيق وشاف يكشف عن أسباب التغيرات المناخية، فكل رأي له ما يؤيده، وإن لم يسلم من بعض الاعتراضات، وتوضح الدراسة التالية مناقشة أهم الآراء أو النظريات، التي حاولت تفسير التغيرات المناخية في الزمن الرابع.

(1) التغير في الإشعاع الشمسي

من الطبيعي أن تختلف درجات الحرارة على سطح بتغير الإشعاع الشمسي، هذا التغير له جانبان، الأول يختص بكمية الإشعاع والثاني بنوعية الإشعاع، وتذهب بعض التقديرات إلى حدوث انخفاض في درجات الحرارة من درجة إلى درجتين مئويتين، إذ حدث تناقص في كمية الإشعاع بنسبة 1% فقط. وترتبط بنوعية الإشعاع الشمسي الأشعة فوق البنفسجية، التي تشكل نحو 1.05% من إجمالي الطاقة الشمسية، وتتضح أهمية هذه الأشعة في تسخين الطبقات العليا للغلاف الجوي، مما يؤدي إلى حدوث تفاعلات كيميائية بين هذه الأشعة والأكسجين، ويترتب على ذلك تكون طبقة الأوزون.

وقد أطلق أجاسيز (Agassiz سنة 1839) على الفترة الجليدية اسم "الشتاء الكوني" الذي نتج عن أسباب خارجية. بينما افترض ليكوك (Lecoq سنة 1847) حدوث "صيف كوني" شديد الحرارة، ساعد على تبخر مياه المحيطات، وسقوط أمطار غزيرة.

أما أوبيك Opek، القائل بأن الطاقة الشمسية تنجم عن انصهار الهيدروجين الشمسي، فيعتقد أن التغذية بالهيدروجين حدثت على دفعات، كل واحدة منها سببت تمدداً للنواة وتسخيناً للجو. ولعل هذه الاضطرابات هي التي أدت إلى انخفاض في درجة الحرارة، حتى أنه افترض انخفاض درجة الحرارة إلى 8  مئوية، عند خط الاستواء خلال الفترات الجليدية، الأمر الذي لا يتفق مع الافتراض القائل بارتفاع درجة الحرارة عند خط الاستواء بدرجة أكبر.

وقد حدد العالم الفلكي ملانكوفيتش Milankovitch (عام 1938)، السبب الرئيسي للتقلبات المناخية Climatic Fluctuation بأنها ترجع إلى اختلاف إمداد سطح الأرض بالأشعة الشمسية، بسبب حدوث تغيرات في عدد من الخصائص الفلكية الثابتة أهمها تغيُّر المدار البيضاوي الذي تدور فيه الأرض حول الشمس، وتغيُّر محور الدائرة الظاهرية لمسار الشمس، وتقدُّم حدوث الاعتدالين الربيعي والخريفي، الذي ظل يتغير دورياً مع حلول كل 000 93 سنة و000 41 سنة و000 21 سنة على التوالي. لذلك فإن المسافة المتغيِّرة، بين الأرض والشمس، وميل الكرة الأرضية بالنسبة للشمس، كانت تعني اختلافاً في مقدار الطاقة الشمسية التي تصل إلى الأرض. وبناءً على ذلك، يتغير المناخ العام فيصير أكثر دفئاً، أو أكثر برودة.

وفي سنة 1962 طرح داوفيللر Dauviller، نظرية مؤداها أن الفترة الجليدية حدثت بسبب انخفاض "الثابتة الشمسية"[1]. بسبب ازدياد العاكس الأرضي، الذي يحدث بسبب تناقض النشاط الشمسي.

(2) تغيُّر انحراف مدار الأرض، ومحور دوران القطبين

اعتقد عديد من العلماء، حدوث تغيُّر في انحراف مدار الأرض. ولتوضيح هذا الافتراض، يبدو من المفيد، تعريف الوضع الحالي للأرض. فهي تدور حول محورها، الذي يميل عن الخط العمودي بمقدار 23.5 ، من الغرب إلى الشرق أمام الشمس مرة كل يوم. وفي الوقت نفسه، تدور الأرض حول الشمس، في مدار بيضاوي مرة كل سنة، بحيث يشكِّل خط الاستواء زاوية مقدارها 23.5  درجة مع سطح دورانها. وأحياناً يكون قطبها الشمالي مواجهاً للشمس، وأحياناً أخرى يكون قطبها الجنوبي هو المواجه للشمس، وذلك حسب موقعها على المدار الذي ترسمه. لهذا يتطابق زمن الصيف في نصف الكرة الشمالي مع زمن الشتاء في نصف الكرة الجنوبي.

ويفترض ليفي Levy (عام 1956) أن محور دوران القطبين، لم يكن ثابتاً، خلال الأزمنة الجيولوجية، الأمر الذي جعل المناطق المناخية أقل وضوحاً مما هي عليه الآن. وكذلك فإن انحراف مدار الأرض لم يكن ثابتاً عند 23.5 ، بل وصل إلى 30، أو أكثر، الأمر الذي ساعد على انعدام فروق الحرارة المتوسطة السنوية، في معظم مناطق الكرة الأرضية، وحدوث الاضطرابات المناخية.

(3) الغبار الكوني Cosmic Dust

أكد كل من نولك Nolke (عام 1909) وليتلتون Littleton (عام 1939)، وجود غيوم من الغبار الكوني، قد تكون اعترضت بشكل أو بآخر الإشعاع الشمسي Insolation، ونتج عن ذلك نقص الطاقة الشمسية الواصلة إلى سطح الأرض، وهو ما يدعم الافتراض الأول.

كـذلك طُرحت تساؤلات كثيرة، حول ما إذا كان للكميات الضخمة، من الدخان والرماد البركاني، Volcanic ash and smoke ـ التي تطلقها البراكين العديدة ـ أثر ما على المناخ العام للأرض.

ويرى كل من هنتنجتون وفيشر Huntington و Fisher (عام 1922)، أن الدخان، والغبار البركاني، تسببا في عودة التجمد العام، وتكوين الجليد، بينما يرى فريك Frech، أنهما تسببا في رفع درجة الحرارة بشكل عام.

(4) ظهور المناطق الجليدية، واختلاف مظهر التضاريس العام لسطح الأرض

اعتقد كثير من الباحثين أنه بالإمكان وجود علاقة ما بين الارتفاع والتجمد. ومن ثم بين مناطق الجليد والحركات التي تسببت في ظهور الجبال.

ومن البديهي أن الزيادة في الارتفاع عن مستوى سطح البحر تؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة. ويسبب تكاثف بخار الماء تكاثر الغيوم التي تعكس حرارة الشمس فلا تصل إلى سطح الأرض، ومن ثم تزداد البرودة، ويحدث التجمد. ومن الملاحظ أنه في أعقاب الثورانات البركانية الناجمة عن الحركات التصدُّعية في القشرة الأرضية، تؤدي غيوم الدخان والرماد إلى انعكاس ضوء الشمس وحرارتها.

ومن الآراء، التي تظهر تناقضاً مثيراً، رأى فيليبي Philippi (عام 1910)، الذي أعتقد أن البرودة الناتجة عن فترة الجليد، هي السبب في انكماش القشرة الأرضية والتوائها وتقلصها.

كما اعتقد عديد من الباحثين المشهورين، بداية بـ ليكونتي Leconte (عام 1899)، وانتهاءً بـ إميلياني، وجييس Emiliani وGeiss (عام 1959) وجود علاقة واضحة بين تكوين المناطق الجليدية، والحركات التكتونية الكبرى Major Orogenesis التي تسببت في ظهور الجبال، ويستدلون على ذلك بأن كل حركة بناء تكتونية يتبعها تغيرات مناخية وحدوث فترات جليدية Glaciations، فالعصر الجليدي الكربوني جاء لاحقاً لحدوث الحركات التكتونية الكاليدونية Caledonian Orogenesis والهرسينيةHercynian عند نهاية الزمن الجيولوجي الأول (الباليوزي Paleozoic)، وحدث العصر الجليدي البلايوستوسيني Pleistocene Glacial Epoch بعد انتهاء حدوث الحركات التكتونية الألبية Alpine عند نهاية الزمن الجيولوجي الثالث (الكاينزوي Canozoic).

(5) نظرية تمدد الكرة الأرضية

بعد المناقشات التي تعرضت لها نظرية تقلص الكرة الأرضية الناجم عن البرودة الشديدة، توصل العلماء إلى آراء أخرى مخالفة لها تماماً تقوم على أساس تمدد الكرة الأرضية، وليس انكماشها. قال ذلك كل من إيجيد Egyed (عام 1957)، وديك Dick (عام 1962)، وهوسبرس Hospers، وفان Van (عام 1970).

وقد افترض Egyed أن الأرض، في تمددها، لم تتوصل بعد إلى حجمها، الذي يتناسب حرارتها الداخلية، ومن ثم فهي مستمرة في تمددها. وقد نتج عن ذلك تجزُّؤ القشرة الأرضية، التي تباعدت أجزاؤها. وإن هذا التمدد تسبب في ازدياد قطر الأرض من 4000 كيلومتر إلى 6371 كيلومتراً، وبذلك سوف تصل مساحتها إلى 510 ملايين كيلومتر مربع، بدلاً من 150 مليون كيلومتر مربع (مساحة القارات الحالية).

(6) تغير نسبة ثاني أكسيد الكربون وبعض الغازات الأخرى

حاول البعض الربط بين التغير المناخي في البلايوستوسين وتغير نسبة ثاني أكسيد الكربون، فتناقص نسبة هذا الغاز من شأنها أن تؤدي إلى سرعة فقد الأرض لحرارتها وبالتالي هبوط درجات الحرارة وتكون الأدوار الجليدية، وقد قُدر أن نسبة ثاني أكسيد الكربون قد تناقصت خلال الزمن الرابع بنحو 25 % عن الوقت الحاضر، وفي المقابل فإن زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون تؤدي إلى حفظ حرارة الأرض من أن تتبدد في الفضاء، ومن ثم يُفترض حدوث زيادة في نسبة ثاني أكسيد الكربون خلال أدوار الدفء في الزمن الرابع، إذ ينتج عن زيادة نسبته في الغلاف الغازي ارتفاع درجة حرارة الهواء الملامس لسطح الأرض والعكس صحيح كذلك. ويتنبأ بعض العلماء في الوقت الحاضر بأن حدوث فجوات الأوزون في القسم الأعلى من الغلاف الجوي كان بسبب تلوث الهواء إشعاعياً، وقد يؤدي إلى وصول قسم كبير من الأشعة فوق البنفسجية إلى سطح الأرض، وقد ينتج عن ذلك زيادة في درجات حرارة الهواء ومن ثم تغيير في الظروف المناخية الحالية على سطح الأرض

 



[1] الثابتة الشمسية: مقدار الحرارة الشمسية الواقع عادة على الطبقة الخارجية من جو الأرض، والبالغ 1.94 سعراً جرامياً في السنتيمتر المربع في الدقيقة.