إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مشكلة دارفور، وتداعياتها المحلية والإقليمية والعالمية






مناطق اللاجئين
إقليم دارفور
حدود إقليم دارفور



الفصل الأول

المبحث السابع

النتائج الاقتصادية والاجتماعية للأزمة

لا تتوقف التأثيرات السلبية الناجمة عن الصراعات على جانب محدد من جوانب الحياة، ولكنها تمتد بتأثيراتها تلك إلى العديد من المجالات، ومنها المجال الاقتصادي، حيث تتعطل العملية الإنتاجية بمفهومها الواسع، سواء كان ذلك على مستوى النشاط الإنتاجي للأفراد أو المؤسسات، فضلاً عن تدمير المرافق الأساسية نتيجة تصاعد العمليات العسكرية المصاحبة للصراعات، وكذلك تعطل المشروعات التنموية، والاستنزاف المستمر للموارد ما دامت تلك الصراعات قائمة، والصراع الدائر في دارفور لا يخرج عن هذا التوضيح، ومن النتائج الملموسة في هذا الشأن:

أولاً. النتائج الاقتصادية للأزمة

1. تزايد النزاع والصراع الداخلي على الموارد

تسبب الجفاف، الذي ضرب المناطق الشمالية في دارفور، في نزوح كثير من القبائل الشمالية جنوباً، وكان أهم نزوح، في هذا المجال، نزوح القبائل الأبالة إلى مناطق جبل مرة، ونزوح قبائل الزغاوة إلى جنوب دارفور. وتتوافر في أراضي جبل مرة المياه والمراعي طول السنة، ولكنها حواكير (أراضي مملوكة تاريخياً) لقبيلة الفور، وهم يزرعونها، كما نزح رزيقات الشمال وبطونهم (ماهرية ـ محاميد ـ عريقات ـ عطيفات ـ زبلات ـ شطية) إلى مناطق حول جبل مرة، حيث نازعوا أهلها من الفور، كما نزحوا غرباً نحو الجنينة، حيث نازعوا أهلها من قبيلة المساليت. كما أن قبائل الزغاوة، التي تمتهن الزراعة، أجبرها الجفاف للنزوح جنوباً في أراضي يسكنها رزيقات الجنوب، وهناك وقعت نزاعات، بلغت حد الاقتتال، في عام 1996م.

2. التخريب والتدمير للقرى والمنشآت

نتيجة للأوضاع الأمنية غير المستقرة وقيام الصراعات بين أبناء القبائل، ولجوئهم للصراع المسلح وأعمال حرق القرى والمنشآت وتخريبها، فإن الواقع الحالي يوضح ما يلي:

أ. حرق أكثر من 100 قرية.

ب. تدمير العديد من الممتلكات والمؤسسات الخدمية.

ج. توقف العمل تماماً في مشروعات التنمية المختلفة.

د. نهب المتحاربون أعداداً كبيرة من قطعان المواشي والإبل.

هـ. توقف حركة الزراعة والتجارة إلا في المدن الكبيرة الآمنة.

نتج، عما سبق، نزوح أعداد كبيرة من السكان، أي الأيدي العاملة، التي تقوم بالأنشطة الاقتصادية المختلفة، ولجوؤهم إلى معسكرات الاستقبال.

·   عدد المعسكرات في ولايات دارفور الثلاث وصل إلى 91 معسكر.

·   عدد الذين نزحوا من قراهم إلى هذه المعسكرات حوالي 1.227.629 شخصاً.

·   عدد الذين تأثروا ولم ينزحوا إلى المعسكرات حوالي 271.342 شخصاً.

·   العدد الكلي للمتضررين بلغ 1.498.971 شخصاً.

3. انهيار البنية التحتية

رغم الاهتمام المتواضع الذي توليه الحكومة السودانية لمنطقة دارفور أصلاً، إلا أن هذا الاهتمام تقلص نتيجة عدم الاستقرار الأمني، وانشغال الحكومة بالصراع المسلح في الإقليم، ولذا، فإننا نجد قصوراً شديداً في الاهتمام بالبنية التحتية بالإقليم. وحتى وقت قريب فإن ولاية دارفور ليس بها إلا طريق واحد معبّد يربط بين نيالا ـ كاس ـ زالنجي.

كما أن خط السكة الحديد، الذي يربط ولاية جنوب دارفور بكردفان ثم باقي السودان، يعاني من تذبذب شديد في تشغيله، نتيجة للأعمال المسلحة.

أما طريق الإنقاذ الغربي، والذي يرى الكثيرون من سكان دارفور أنه من أسباب النزاع، فلا يزال العمل جارياً به، ولكن بغير انتظام نتيجة للأحداث بالمنطقة، وقد كان لغياب البنية التحتية، أو تدميرها، أو تخريبها، أثر سلبي مباشر على عمليات التنمية.

4. حرمان السودان من العوائد البترولية المتوقعة

كانت الاكتشافات البترولية في السودان محدودة إلى حدٍ كبير، في منطقة وسط السودان والوسط الجنوبي، وكانت تمثل 15% من الاحتياطي القومي للبترول.

ويبلغ إجمالي الاحتياطي 300 بليون برميل، ونتيجة للاكتشافات البترولية بإقليم دارفور، أعلنت السودان رسمياً، في يونيه 2000، أن مشروع الاستكشاف البترولي سوف يبدأ في شمال غرب السودان، ولكن معاناة هذا الإقليم من الصراعات والاضطرابات، وعدم الاستقرار الذي أدى إلى عزل إقليم دارفور، ووجود مشكلات بالبنية التحتية، وكذلك البنية غير الملائمة، أثر على عمليات الاستكشاف والتنقيب، ما يعني خسارة الحكومة السودانية للعوائد البترولية المتوقعة، والتي كانت ستوجه لتنمية وتحسين الأوضاع في دارفور والسودان كله.

ثانياً:النتائج الاجتماعية للأزمة

من التأثيرات البالغة، التي خلفتها الصراعات الدائرة في إقليم دارفور، تلك التأثيرات السلبية الناجمة عن تصاعد الصراعات داخل هذا الإقليم بين أبناء الشعب والوطن الواحد، والمشكلة، هنا، تتجاوز حدود ما تخلفه تلك الصراعات من قتلى وجرحى ومشردين ونازحين ولاجئين، وافتقاد الممتلكات وضياع فرص التنمية وغيرها، إلى إحداث أزمة طالما عانى منها العديد من دول العالم، وتستعصي، في غالب الأحيان، على حلول سريعة وناجحة لها، ألا وهي أزمة الهوية، أو ما يطلق عليها أزمة الاندماج الوطني، أو أزمة بناء الدولة / الأمة، بمعنى الحد من الاضطهاد الاجتماعي، الذي يستشعره بعض الجماعات داخل مجتمع الدولة الواحدة، والحيلولة دون تفسخ المجتمع، والسعي لصهره في بوتقة واحدة بأساليب الأرضاء وليس الإكراه، إن ما حدث، ويحدث في إقليم دارفور، اقترن بالعديد من النتائج الاجتماعية السلبية، ومنها:

1. تعميق الولاءات والانتماءات دون الوطنية

لقد أدى اندلاع الصراع في دارفور إلى العديد من التأثيرات الاجتماعية، التي ستظل لسنوات طويلة تؤثر على مجمل الأوضاع، ليس في دارفور فحسب، وإنما ستمتد إلى مجمل الأقاليم السودانية، ويرى البعض أن النظام الحاكم في السودان أسهم، بأخطائه المتعددة، في التعامل مع الأزمة في دارفور في تعميق تلك الولاءات والانتماءات التحتية، من خلال إجبار قطاعات كبيرة من السكان على الالتحاق بحزبه إن أرادوا العمل العام، وأن الكثيرين منهم انضموا لحزبه انضماماً صورياً. وفي ظل ذلك تنافس المواطنين على المواقع السياسية والإدارية، وما دام الالتزام السياسي واحد، فقد لجأ المتنافسون لانتمائهم القبلي والعرقي لتزكية تطلعاتهم، وهو الأمر الذي يتضح جلياً في إقليم دارفور. وأنه قد ثبت، في التجارب المختلفة التي واكبها السودان، أن إلغاء الانتماء الحزبي والديني المتعدي للولايات، مع بقاء المجتمع على حاله الاجتماعي المعروف، إنما يكرّس القبلية والإثنية والجهوية، هذا ما اتضح في تجربة النظام المايوي ونظام "الإنقاذ".

2. تزايد تأثير قوى الاحتجاج الحديثة

ترتب على زيادة الاهتمام بالتعليم العام والتعليم العالي تخريج أعداد كبيرة من الخريجين. أما خريجو التعليم العام، الذين لم يواصلوا تعليمهم، فلم ينالوا فرصة وظيفية تؤهلهم لأعمال فنية، ولم يجدوا مشروعات استثمارية تستوعبهم. والذين نالوا تعليماً عالياً لا يجدون فرصاً في الخدمة العامة ما لم يكونوا من أتباع النظام. وكثير من هؤلاء استقروا في المدن والعاصمة، وآخرون طلبوا حق اللجوء السياسي، في جهات العالم المختلفة، وصاروا عناصر احتجاج حيثما استقر بهم المقام. وعلى حين أن من الأمور الطبيعية أن من يتلقى قسطا من التعليم يطمح تلقائيا لحياة أفضل لا توفرها له سبل الاكتساب التقليدية. ففي دارفور تحول غالبية خريجي التعليم إلى فاقد تربوي. حيث لجأ كثير من هؤلاء ـ في ظل البطالة ـ للنهب المسلح". أما الذين نالوا تعليماً عالياً ولم يجدوا الفرص المناسبة فإن كثيراً منهم اتجه للعمل السياسي الثوري (الراديكالي). ومن المعلوم أن التعليم غير المتناسق مع برامج التنمية في السودان يكون بمثابة المورد المعطل أو الراكد. وهنالك ظاهرة أخرى في السودان كله، لا في دارفور وحدها، ألا وهي أن بعض المثقفين ذوي الأهداف السياسية، الذين أدركوا صعوبة استقطاب القواعد الشعبية لدعم أطروحاتهم، لجأوا للعصبية الإثنية وسيلة لدعمها. ومثل هذه المحاولات، لإيجاد سند عبر الانقلاب العسكري، أو الاستغلال النقابي أو العصبيات الإثنية، باءت بالإخفاق، في كثير من الأحيان، بل أتت لأصحابها بنتائج عكسية.

3. انتشار ثقافة العنف وشيوع الفساد

أ. انتشار ثقافة العنف

عابت الجبهة الإسلامية القومية على القوى السياسية الأخرى أنها متساهلة وغير حازمة، فرفعوا شعارات أمان السودان، وثورة المصاحف، وثورة المساجد. هذه العقلية، بعد استيلائها على السلطة، تعاملت مع فكرة التفاوض من أجل السلام تعاملاً شكلياً، يضع الطرف الآخر أمام خيار واحد، هو قبول برنامج الجبهة الإسلامية القومية، كما أعاد صياغته مؤتمر الحوار الوطني من أجل السلام، الذي عقدوه في عام 1990. واستعد النظام لحسم الحرب الأهلية عسكرياً، فأعلن الجهاد واتجه النظام للتسليح والتدريب على أوسع نطاق من دون مراعاة الضوابط اللازمة. لذلك، انتشرت في البلاد جماعات مسلحة ومدربة وغير خاضعة للضبط والربط عبر أجهزة حديثة أو تقليدية. وهؤلاء استخدموا السلاح على نطاق واسع: فهناك جماعات استخدمته وسيلة لكسب العيش معززة النهب المسلح. وهناك جماعات أكسبت العمل المسلح بعدا عرقيا كـ"الجانجويد" ذوي الأصول العربية، الذين وجهوا هجماتهم ضد الفور والمساليت (قبائل السودان العربية تمثل إثنيا خليطا عربيا إفريقيا. وكذلك القبائل المسماة "زرقة" فالفور والمساليت، يمثلون خليطاً أيضاً. وهناك جماعات أخرى بدأت من واقع المساجلة الإثنية لاسيما في منطقة جبل مرة، ولكنها اتهمت الدولة بالتقصير في حمايتها أو بالمشاركة في العدوان عليها. هؤلاء تحولوا لقوى مسلحة ذات أهداف سياسية مضادة للدولة. وعلى أية حال فهناك دلائل على أن الحكومة دربت وسلحت بعض القبائل لتحارب معها ضد حركة بولاد، وضد الجيش الشعبي.

ب. شيوع الفساد

إن تحكم الحزب الواحد وإبطال الحريات العامة دائماً ما يصحبه غياب المساءلة والشفافية فيعم الفساد. هذه ظاهرة عامة، ففي دارفور، طولب المواطنون باستقطاع نصف نصيبهم من السكر لدعم طريق الإنقاذ الغربي. وكان مقدراً أن يساهم ذلك بحوالي 36 مليون دولار أمريكي سنوياً، على أن يكتمل إنجاز الطريق في عامين، وصاحب هذا الموضوع ضجة إعلامية لأن ميزانية بناء الطريق المعتمدة كانت 240 مليون دولار أمريكي. وكان الأداء الفعلي معيباً وظهر الفساد، ولكن النظام لم يستطع التعامل مع الموضوع بشفافية، فبدا لأهل الإقليم أنهم خدعوا وسرقت أموالهم.

مع وقف إطلاق النار، وتشريد الكثير من المدنيين من مناطقهم، أصبحوا غير قادرين على إعاشة أنفسهم. وهم جوعى، وغالباً ما يبحث الجنود عن الغذاء، بأي وسيلة ضرورية، من دون معرفة قادتهم أو موافقتهم. ومنها أن الهجوم على طويلة، في 22 نوفمبر 2004، قام به من يُزعم أنه قائد مستقل، من دون معرفة أو موافقة القيادة العسكرية أو السياسية. والهجمات على مراكز الشرطة بالقرب من مخيم كلمة، في 13 و22 نوفمبر 2004، ذكر أيضاً إنها قامت بها عناصر مستقلة من دون معرفة القيادة العليا. وهناك تفسير آخر أيضاً ينذر بالسوء، هو أن نهب الماشية وإغلاق مسارات الرعي قد يكون جزءاً من سياسة أوسع لجيش تحرير السودان. ومعظم الماشية التي سرقت، أثناء مرحلة الصراع في الإقليم، قد أخذت إلى تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا. ومعظم ما تبقى هو في المواقع القوية للجنجويد والقبائل العربية التي حاربت مع الحكومة، ولكن معظم الطرق التاريخية للمراعي أصبحت محظورة بسبب القتال أو قطعها جيش تحرير السودان. والقطعان، التي بقيت، يمكن أن تنفُق بسهولة، بسبب صغر مساحة مناطق الرعي المتوفرة، وكذلك فقدان الكثير من آبار المياه، لأن الحكومة دمرتها بمعاونة الجانجويد، في وقت سابق من الصراع. ويمكن أن تترتب على هذا عواقب وخيمة للأمن الغذائي في جميع أرجاء دارفور.

4. الخلخلة الديموجرافية للإقليم

من أهم النتائج المترتبة على اندلاع الأزمة في دارفور، وخصوصاً في الناحية الاجتماعية، تأثير عمليات النزوح في النسيج الاجتماعي، وإحداث خلل في التوازنات الاجتماعية القبلية والتركيبة الديموجرافية في كل منطقة من مناطق إقليم دارفور، وكذلك في المناطق المجاورة للإقليم داخل السودان والتي يصلها النازحون، ومناطق دول الجوار التي يقصدها اللاجئون، مثل تشاد وأفريقيا الوسطى، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تكوين وتشكيل خريطة سكانية جديدة (اُنظر خريطة مناطق اللاجئين)، تتبعها خريطة اجتماعية وثقافية جديدة أيضاً، ومع الأخذ في الحسبان أن خمس مساحة السودان ممثلة في إقليم دارفور، وأيضا خمس سكانه أصبحت منطقة نزوح، يمكن تصور الديناميات الاجتماعية بين النازحين الوافدين والسكان المقيمين، وعلى ضوء حدوث ذلك في إطار اختلاط كثير من الثنائيات في مستويات وبيئات مختلفة مثل الريف/ الحضر، والرعاة/ المزارعين، والعرب/ الزنوج وغيرها، كل ذلك من شأنه أن يقود إلى تشكيل واقع اجتماعي ـ ثقافي جديد، تتأثر فيه العادات والتقاليد واللغات والدين وغيرها من المكونات الاجتماعية الأساسية، وربما يساعد على حدوث ذلك وجود الفترة الزمنية الكافية، على اعتبار أن المنطقة بؤرة للتوتر والصراع، والنازحون غير مطمئنين للعودة الطوعية إلى مناطقهم الأصلية، لعدم توافر الظروف الأمنية المناسبة، وربما وجد بعضهم ظروفاً أفضل في مناطق النزوح، وهو ما يعد اكتشافاً جديداً لحياة أحسن لهم، كما أن أجندة أهداف المعارضة الدارفورية المسلحة ومصالحها، والدول الفاعلة صاحبة المصالح في المجتمع الدولي، يمكن أن تدفع باتجاه استثمار وتوظيف هذا الوضع، لكسب مزيد من الوقت لتحقيق أغراضهم.

ومن الآثار الاجتماعية، المترتبة، أيضاً، على تصاعد الأزمة في دارفور، زيادة معدلات كثير من الظواهر السلبية، مثل ارتفاع معدلات الجرائم وتنوعها، في كل ولايات دارفور، مثل القتل والزنا والاغتصاب، وكذلك النهب والسرقة والاحتيال، بل وكثير من هذه الجرائم انتقل إلى حيث مناطق النزوح واللجوء. إذن فمن التأثيرات الاجتماعية الخطرة، لاندلاع الصراع في دارفور، أنها أصبحت بسبب التمرد وعمليات الجانجويد منطقة طاردة للسكان، وقد تركت هذه العمليات آثار سالبة علي الوضع الاقتصادي، وهجر المواطنون المدن، ومن أشهرها مدينة "مليط" التجارية الحدودية مع ليبيا، والتي أصبحت تعاني أوضاعاً مأساوية، بسبب إغلاق الطريق البري، فهاجر أغلب سكانها للخرطوم وجنوب دارفور. وهناك اتهامات موجهة للحكومة بعدم الجدية في قضايا المنطقة سيما وأنها لم تنفذ في السابق مقررات وتوصيات أكثر من 15 مؤتمراً أمنياً وقبلياً، ناقشت وأوصت بمعالجة قضايا دارفور. ويري البعض أن تكليف الشرطة للقيام بمهام نزع أسلحة الجانجويد محاولة للتهرب من الواقع، إذ إن الشرطة كانت قد فشلت، في السابق، في احتواء النهب المسلح، فكيف لها أن تتعامل مع مليشيات عسكرية مدربة تملك سلاحاً أقوي من سلاحها؟

5. إعاقة عمل منظمات الإغاثة الدولية

من الآثار التي أفرزها الصراع الدائر في دارفور، وجود عدد كبير من المنظمات الأجنبية[1] في أوساط معسكرات اللاجئين السودانيين (الدارفوريين)، ويبدو أن هناك نوعاً من السيطرة الواضحة لهذه المنظمات على كافة الأوضاع وجميع الأنشطة داخل المعسكرات، وعلى الرغم من الدور الذي تدعي هذه المنظمات القيام به في احتواء أزمة دارفور، إلا أن هذا لا يخلو من مهام مستترة عديدة تسعى تلك المنظمات للقيام بها، إما خدمة لتوجهات دول محددة ولمصالحها، أو خدمة لمؤسسات دينية معينة. وتوظف المساعدات الإنسانية كغطاء لأنشطة الكثير من تلك المنظمات، التي تعتمد في أدائها لمهامها ولأنشطتها على وجود شبكة لتدفق المعلومات والاتصالات تربط هذه المنظمات ببعض، وتحسب كل التحركات داخل المعسكرات، وتمارس سيطرتها وتحكمها في التعامل مع المواطنين هناك. وهذا الأمر يثير العديد من الشبهات حول حقيقة وجود هذه المنظمات، خصوصاً أن بعضها تروج للمفاهيم السلبية ضد العرب والإسلام، من خلال الندوات، التي تهدف إلى خلق بلبلة داخل المعسكرات. ومن جانب آخر، تسعى المنظمات للتأكيد على المفاهيم التي تخدم أغراضها. كما أن هذه المنظمات أصبحت أداة وهدفاً يوظفها الإعلام العالمي، للترويج لحدوث انتهاكات لحقوق الإنسان في الإقليم.

ولا تكتفي تلك المنظمات بذلك؛ بل إنها تستهدف المنظمات الوطنية، مثل منظمة الهلال الأحمر السودانية، للتقليل من أهمية الدور الذي تقوم به، وقد تتهمها بالتجسس لصالح الحكومة السودانية. وربما يكون ذلك من الأسباب التي تشير إلى خروج تلك المنظمات عن الدور الإنساني، الذي تدعي القيام به، وهو الأمر الذي يعرقل أداءها لمهامها من ناحية، ومن أخرى، فإن انعدام الأمن في الإقليم، الناجم عن استمرار الصراع، يعيق بدوره استمرار وصول الوكالات الإنسانية إلى مناطق السكان المتضررين. وعلى سبيل المثال، ففي ديسمبر 2004 أدى مقتل اثنين من موظفي الإغاثة من منظمة إنقاذ الطفولة – المملكة المتحدة، ومقتل واحد من منظمة أطباء بلا حدود، إلى انسحاب الأولى من دارفور. واضطرت وكالات الأمم المتحدة إلى تعليق عمليات المعونة مرات عديدة، خلال الشهور القليلة الماضية.



[1] بلغ عدد هذه المنظمات 54 منظمة منها 43 منظمة تنتمي لدول ولجهات أجنبية مختلفة، و 11 منظمة تابعة للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، ويلاحظ أن هذه المنظمات تركز أنشطتها الإغاثية والصحية والبيئية والتعليمية وغيرها، في المعسكرات التي بها القبائل الأفريقية.