إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مشكلة دارفور، وتداعياتها المحلية والإقليمية والعالمية






مناطق اللاجئين
إقليم دارفور
حدود إقليم دارفور



الفصل الأول

المبحث الثامن

جهود التسوية الوطنية والإقليمية

أولاً. الجهود الوطنية:

بذلت الحكومة السودانية منذ اندلاع الصراع في دارفور العديد من الجهود الوطنية، لتطويق الأزمة هناك، والسعي لإيجاد تسوية مناسبة، بعيداً عن أي تدخل خارجي، ويمكن الإشارة إلى ذلك في ما يلي:

1. التوجه العام لتسوية أزمة دارفور على المستوى الوطني

كانت أهم محاولة لإبداء رأي أوسع من أجهزة النظام هي ملتقى الفاشر التشاوري، في 25 مارس 2003. لكن الحكومة رفضت توصياته. وجرت محادثات في مناطق مختلفة، أهمها ما كان برعاية الحكومة التشادية، تمخضت عنه اتفاق بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان، في 3 سبتمبر 2003، في أبشي. لكنه كان اتفاق إجرائي، لم يخاطب أسباب النزاع المؤجل بحثها لمرحلة لاحقة. هذا الاتفاق ونتائج المحادثات الأخرى هشة ولا تضع حداً نهائياً للاقتتال. وتعددت وساطات المواطنين، لاسيما من أبناء الإقليم من دون جدوى، حتى ربما لأن الحكومة ظلت تشكك في جدية المحاولات، كما تشكك فيها الحركات المسلحة. وعلى الرغم من الإعداد لمؤتمر صلح قبلي، إلا أن هذا النوع من المؤتمرات ليس مجدياً؛ لأنه سيجري على نمط المؤتمرات السابقة، والتي تعتمد على حشد الضغوط على أطراف النزاع لإبرام صلح. والعمل على تسوية الثأر القبلي، ووقف الأعمال الاستفزازية المتبادلة، وإيجاد معادلة بين المزارعين والرعاة، وفي كل هذه المصالحات يعتمد المؤتمر على نفوذ زعماء العشائر. أما في الوقت الراهن، فإن الظروف تبدو متغيرة تماماً، حيث أن هنالك حركات مسلحة، ذات أهداف سياسية مستعصية على الدولة، ومن باب أولى على زعماء العشائر، الذين أضعفت الدولة نفوذهم بإدراجهم في حزبها. وكذلك القيادات من المثقفين داخل الإقليم وخارجه الذين اكتسبوا علاقات خارجية، واستحسنوا أساليب الحركة الشعبية وجيشها.

إن اتفاق السلام الذي وُقِع مؤخراً قد بعث الآمال في أن يكون السلام الدائم في دارفور وشيكاً أيضاً. ولكن من المرجح أن يكون الأثر الملموس هناك ضئيلاً في المدى القريب. وهناك نوعان من الفوائد ذات الصلة، وكلاهما يحتاج إلى وقت ليحدث أثره. الأول يتمثل في نماذج وأحكام الحكم الذاتي للولاية، وسوابق تقاسم السلطة والثروة بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية، والمؤسسات الوطنية الجديدة الرامية إلى تعزيز مشاركة الولاية في الحكومة المركزية، التي يحددها اتفاق السلام. والثاني هو دخول الحركة الشعبية لتحرير السودان في حكومة الوحدة الوطنية، فهي شريك موثوق به لدى متمردي دارفور، وبصفتها شريكاً في الخرطوم مع حكومة المؤتمر الوطني الحاكمة حالياً، ينبغي أن يكون بوسعها، في النهاية، تلطيف سياسة الحكومة في دارفور، وتشجيع الوصول إلى حل سلمي. والسلطات والحقوق والترتيبات السياسية المحددة في اتفاق السلام الشامل إذا ما أخذت معاً تمثل أساساً قوياً لإيجاد حل سياسي لدارفور. ونموذج الحكم الذاتي للولاية، الذي صيغ لجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، يتضمن بعض الأحكام ذات الصلة. وعلى وجه التحديد، يهدف إلى قيام حكومة منتخبة ديمقراطياً للولاية، ويجري تداول الحكم لفترات متساوية بين الطرفين قبل الانتخابات. وستخضع اللجنة الأمنية لتوجيه الحاكم وهو يملك السلطة، ما يخول له عملياً إدارة المسائل المتعلقة بأمن الولاية والأجهزة الأمنية.

من النقاط الإضافية، في اتفاق جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ذات الصلة بدارفور، القوائم المحددة التي تنص على سلطات الولاية ومصادر دخلها، وهي أكبر من سلطات الولايات الشمالية ومصادرها. فوفقاً لاتفاق السلام الشامل، يكون للجنة أراضي الولاية السلطة لمراجعة إيجارات وعقود الأراضي الموجودة ومعايير توزيع الأراضي، وتقديم توصيات بشأن التغييرات اللازمة، بما في ذلك إعادة الحقوق أو التعويض. وبما أن مسائل الأراضي من أكثر المسائل إثارة للشقاق في صراع دارفور، فإن قيام لجنة الولاية للأراضي (التي لا توجد إلا في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق) سيكون عنصراً بالغ الأهمية من عناصر الحل. وهناك أحكام أخرى من بروتوكولات إيجاد، يمكن أن تساعد أيضاً على بناء أساس للحل. فمثلاً، إنشاء هيئتين وطنيتين جديدتين، مجلس الولايات (وهو مجلس تشريعي أعلى، يتكون من ممثلين اثنين من كل ولاية) ولجنة المالية والمخصصات والرقابة المالية (وتشمل جميع وزراء مالية الولايات، وثلاثة ممثلين من حكومة جنوب السودان، وثلاثة من الحكومة الوطنية، لتحديد المدفوعات من موارد الحكومة الوطنية إلى الولايات)، من شأنه أن يساعد على تحسين مشاركة الولاية في صنع القرار في الحكومة المركزية. وهذا بدوره سيساعد على إعادة بناء الولاية والمؤسسات المحلية، التي ضعفت كثيراً خلال سنين من إهمال النظام.

وفي إطار الجهود الوطنية، عملت حكومة السودان على بذل الجهود لتقريب وجهات النظر مع كل من حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان.

وفي 15 يناير 2007، اتفق كل من جيش تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، على توقيع بروتوكول لإقرار السلام في دارفور، اعتماداً على ما ورد في اتفاق أبوجا.

2. المساعي الرامية لإزالة التهميش

إن مختلف الحقوق والمبادئ، التي اتفق عليها في برتوكولات اتفاق السلام الشامل الأخرى، مثل تأكيد المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وإعادة تأكيد أن المواطنة ـ هي أساس الحقوق المتساوية في السودان، من شأنها أن توفر لمتمردي دارفور أساساً قانونياً؛ لمعالجة مطالبهم المتعلقة بإزالة التهميش والتمييز. والنص في بروتوكول تقاسم السلطة، على أن الخدمة المدنية ستكون ممثلة تمثيلاً عادلاً لجميع سكان الوطن، وأنها ستستخدم التمييز الإيجابي، وبرامج التدريب لتحقيق هذا الغرض، من شأنه أيضاً أن ينال رضا المتمردين، الذين يعلنون رغبة سكان دارفور في الحصول على تمثيل أفضل في المؤسسات الوطنية، والالتزام بإجراء انتخابات على جميع المستويات قبل نهاية السنة الرابعة من الفترة الانتقالية، ذات السنوات الست، يشمل دارفور أيضاً في عملية التحول الديمقراطي الوطني.

3. مبدأ تقاسم السلطة والثروة كآلية لتسوية أزمة دارفور

على الرغم من أن تلك الأمور المتعلقة بضرورة إزالة التهميش السابق الإشارة إليها مجتمعة تؤلف أساساً قوياً لصياغة حل تفاوضي لدارفور. إلا أن هناك ثغرات رئيسية في تقاسم السلطة، وبمدى أقل في تقاسم الثروة. فترتيب تقاسم السلطة في الولايات الشمالية (70 %لحزب المؤتمر الوطني، و10 % للحركة الشعبية، و20 % للقوى السياسية الأخرى) قبل إجراء الانتخابات، من المرجح كثيرا ألا يرضي المتمردين. ونموذج جنوب كردفان/ جنوب النيل الأزرق (حيث تتقاسم الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني مقاعد المجلس التشريعي للولاية بنسبة 45 % و55 %، يقدم بديلاً، ولكن لتعدد المجموعات التي تقاتل في دارفور يصبح تقاسم السلطة أكثر تعقيداً. والمشكل الأكبر تقاسم السلطة على المستوى الوطني، حيث إن 14 % فقط من مقاعد البرلمان مخصصة لمختلف القوى الشمالية المعارضة في الفترة السابقة لإجراء الانتخابات. وإذ تطالب عضوية مظلة المعارضة، المتمثلة في التجمع الوطني الديمقراطي، بالتمثيل العادل لجميع القوى السياسية في اللجنة، التي ستعد مشروع الدستور الانتقالي وفي الهيئات الانتقالية الأخرى، على نقيض النسب المئوية الثابتة المتفق عليها في اتفاق السلام الشامل، لن يكون هناك سوى مجال صغير جداً لمتمردي دارفور في البرلمان الوطني.

وإذا ما لاح في الأفق، أيضاً، اتفاق مع جماعات شرق السودان، كما يبدو الآن، فإن المقاعد المتاحة ستنقص مرة أخرى. بإيجاز، إن ترتيبات تقاسم السلطة قبل الانتخابات، وخاصة بين الجماعات السياسية الشمالية، من المرجح أن تكون عقبة أمام أي حل سياسي في دارفور، ومن المحتمل بالنسبة لشرق السودان أيضاً. وأنسب حل لهذه المشكلة أن يوافق حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على إعادة تقييم هذه الترتيبات، وإتاحة تمثيل أكبر للكثير من الجماعات الموجودة الآن خارج العملية السياسية. وإذا ما بدا أنهما مصران على استبعاد الجماعات السياسية الأخرى من صنع القرار، فإن ذلك سيبذر بذور المزيد من الصراع في دارفور وشرق السودان ومناطق أخرى.

4. دور الحركة الشعبية لتحرير السودان في جهود التسوية في دارفور

لا تستطيع الحركة الشعبية أن تغير سياسة الخرطوم في دارفور على الفور، لكن يمكنها أن تبدأ العمل مع المتمردين، ولاسيما جيش تحرير السودان للمساعدة في قبول اتفاق السلام الشامل أساساً للحل. ويمكنها أن تعمل أيضاً مع جيش تحرير السودان لمحاولة التغلب على انقساماته الداخلية. وينبغي للحركة الشعبية محاولة إرسال وفد في جميع الجولات المقبلة لمفاوضات دارفور. وهي ستكون في موضع فريد لتكون وسيطاً بين الأطراف الرئيسية في الصراع. وينبغي للمجتمع الدولي أن يرحب بمشاركة الحركة الشعبية في العملية، وأن يشجعها على ذلك، لأن قيادة الحركة تدرك أن اتفاق السلام الشامل لا يمكن أن يستمر إذا ما استمرت مشكلة دارفور. بل هناك حاجة إلى جعل استقرار دارفور أولوية عليا لتنفيذ اتفاق الإيجاد. وينبغي أن تكون هناك مشاركة أكبر في عملية أبوجا، التي يقودها الاتحاد الأفريقي، ومحاولة بناء نوع من الشراكة الداخلية ـ الخارجية، والتي نجحت كثيراً مع بلدان الإيجاد في نيفاشا، حيث كان يجري التفاوض بشأن اتفاق السلام الشامل.

ثانياً: الجهود الإقليمية لتسوية أزمة دارفور

شهدت أزمة دارفور تطوراً في الجهود الرامية نحو إيجاد تسوية مناسبة لها، وبادرت العديد من الدول للمساهمة في هذا الشأن، إضافة إلى الاتحاد الأفريقي، وحاولت جامعة الدول العربية أن تقوم بدور في هذا المجال، وفي ما يلي توضيح للمساعي والجهود الإقليمية، الرامية لوضع نهاية للصراع في دارفور، وإحلال السلام في تلك المنطقة:

1. الإطار العام للجهود الإقليمية الرامية لتسوية أزمة دارفور

لقد بدأت جهود التسوية السياسية لأزمة دارفور من اتفاقية أبشى، لكي تصل إلى محطتها الرئيسية في أبوجا، تحت إشراف الاتحاد أفريقي، مروراً بمحطات أخرى في انجامينا وطرابلس وأديس أبابا. وفى كل مرحلة من هذه المراحل كانت الأزمة تنتقل من طور إلى آخر، وتواجه في كل جولة قضايا وتحديات، تنبع من طبيعة المرحلة، وتقتضي استحداث آليات أو مبادرات جديدة، وإن كان الخيط الذي يربط كل هذه المراحل جميعاً، ويفسر عدم القدرة على إحداث اختراق واضح نحو الحل السياسي، يتمثل في الخلافات داخل حركتي التمرد والانشقاقات الداخلية في كل منهما، ما أدى إلى غياب الرؤية السياسية أو الموقف التفاوضي المتماسك، وأحياناً، غياب هيكل محدد للوفود المفاوضة، الأمر الذي تمثل في تغيير المفاوضين باستمرار، وعدم اتفاق أعضاء الوفد الواحد، والطعن في شرعية تمثيلهم من الأجنحة المناوئة لهم، فضلاً عن اختلاف القاعدة الاجتماعية القبلية لكل من الحركتين، واختلاف تحالفاتهما الداخلية والإقليمية تبعاً لذلك، ما أثر على مواقفهما التفاوضية، وأخيراً، اختلاف مرجعيات طرحهما السياسي، فإحداهما تتبنى العلمانية، والثانية تتبنى طرحاً إسلامياً.

ويتمثل السبب الثاني في تعدد الأدوار والفاعلين في ساحة التفاوض بشأن أزمة دارفور، بمرور الوقت، وعلى الرغم من اختلاف حجم الأدوار، وطرائق عملها السافرة والمستترة، إلا أن الأجندات الإقليمية والدولية، تؤثر على تطورات الأزمة واتجاهاتها، وتحدث قدراً من الإرباك، لأنها لا تعمل بشكل متساوٍ بطبيعة الحال.

وعلى الرغم من طول المباحثات وتعدد المنابر، منذ سبتمبر 2003، وهو تاريخ أول اتفاق، وحتى انتهاء الجولة السادسة من مفاوضات أبوجا، في أكتوبر 2005، أي بعد أكثر من 25 شهراً من المفاوضات، إلا أن الجهود السياسية للتسوية لم تسفر سوى عن توقيع اتفاق هش لوقف إطلاق النار، في انجامينا، (أبريل2004)، والبروتوكولين الأمني والإنساني في الجولة الثالثة في أبوجا، ثم إعلان المبادئ في الجولة الخامسة، في يوليه 2005.

أ. تحفيز جامعة الدول العربية للقيام بدور في جهود التسوية

في إطار السعي لإيجاد تسوية للأزمة في دارفور نشطت الحكومة السودانية، في هذا المجال، على مستويين‏:‏ المنظمات الإقليمية والعلاقات الدولية الثنائية‏.‏ فعلى صعيد جامعة الدول العربية‏,‏ حققت الدبلوماسية السودانية نجاحاً ملحوظا‏ًً,‏ فقد استطاعت أن تقنع الأنظمة العربية بضرورة مساندتها‏,‏ للوقوف ضد الهجمة الأمريكية الصهيونية المسؤولة ـ حسب رؤيتها عن أزمة دارفور ـ والتي تهدف في النهاية إلى تغيير الهوية العربية الإسلامية للسودان‏.‏ هذا وقد يسَّر مهمة الحكومة أن خطر التدخل الدولي أصبح يهدد كل الأنظمة في المنطقة العربية‏.‏ وجدير بالملاحظة أن الرأي العام العربي قد توحد مع حكوماته في الرؤية‏.‏ وذلك في موقف نادر الحدوث‏.‏ وقد تعود هذا الظاهرة إلى أن كثيراً من المحللين السياسيين العرب يرون الأزمات الأفريقية من خلال الصراع العربي الإسرائيلي‏,‏ وذلك رغم اختلاف الظروف الداخلية واللاعبين الرئيسيين وأهدافهم من منطقة إلى أخري‏.

ب. تحفيز الدول والمنظمات الإسلامية للقيام بدور في جهود التسوية

على صعيد آخر‏,‏ نجحت الحكومة السودانية في استقطاب الانتماء الإسلامي الغالب في المنطقة العربية وإيران‏,‏ وذلك باتصالاتها اتحاد علماء المسلمين والهيئة الإسلامية العالمية للدعوة والإغاثة وغيرهما من التنظيمات الإسلامية‏.‏ ولأن أهالي دارفور مسلمون بنسبة ‏100%,‏ لم تستنفر الدبلوماسية السودانية في مسعاها هذا‏,‏ حمية الدفاع عن العقيدة الإسلامية في ذاتها‏,‏ بل استنفرت الدفاع عن المشروع الإسلامي السياسي الذي تطرح نفسها حامية له‏،‏ من عدوى العلمانية التي صارت قانوناً معمولاً به في الجنوب‏,‏ ويتطلع إليه كثير من النخب الفكرية والسياسية في الشمال‏,‏ ولا ريب أن هذا المشروع الإسلامي السياسي يصادف هوى لدى بعض التيارات الفكرية والاجتماعية في المنطقة العربية‏.‏ غير أن هذا النجاح، على مستوي المحور الإسلامي في المنطقة العربية‏,‏ لم يتمدد في الفضاء الأفريقي‏,‏ فقد انحاز المسؤولون والرأي العام، في الدول الأفريقية جنوب الصحراء، إلى العنصر الأفريقي في الأزمة السودانية‏,‏ وذلك بغض النظر عن ديانته‏.‏ لذلك، وقف الاتحاد الأفريقي موقفاً مختلفاً إزاء الأزمة في دارفور‏,‏ فهو يلعب دور الوسيط المحايد، وإن مال نحو إنصاف القبائل الأفريقية‏.‏

ج. التجاوب مع الدور الذي يقوم به الاتحاد الأفريقي لتسوية أزمة دارفور

من الملاحظ  صغر دور الاتحاد الأفريقي وضآلة تأثيره في الجهود والمساعي الرامية لتسوية الأزمة في دارفور‏,‏ وذلك على الرغم من الدعم المالي واللوجستي الكبير، الذي يأتيه من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية‏.‏ وقد يعود ذلك إلى سببَين، أولهما: عدم ارتياح الجانبين المتفاوضين لوساطته‏،‏ ذلك أن الحكومة تفضل الظهير العربي‏,‏ في حين تدعو الحركتان العسكريتان إلى التدخل الدولي المباشر‏.‏ وثانيهما أن الاتحاد الأفريقي ذاته لا يملك الآليات المناسبة‏.‏

أما عن التحرك الدبلوماسي السوداني، على المستوي الإقليمي الثنائي‏,‏ فقد أسفر عن تولي مصر قيادة الخط العربي سابق الذكر نحو دعم الحكومة السودانية داخلياً ودولياً‏,‏ في حين كان يغلب الغموض على الموقف الليبي نحو الأزمة‏,‏ فيستطيع المراقب أن يلتقط عنه إشارات متناقضة، سببها أن ليبيا مرتبطة ارتباطاً مؤثراً بجميع أطراف الأزمة على الرغم من الخلافات الواسعة التي تفرق بينها‏,‏ وقد تعاظم دورها في الأزمة حتى استطاعت أن تستقطب في طرابلس قمة خماسية، تهدف إلى تسوية النزاع في دار فوار بالطرق السياسية‏.‏ أما تشاد، فقد ظل موقفها يميل إلى مساندة الحكومة السودانية تارة‏,‏ وذلك بسبب الروابط الاجتماعية والمصلحة المشتركة بين الجانبين‏,‏ ويميل إلى جانب المتمردين في دارفور تارة أخرى، وعندما تتصاعد الاتهامات لها، من جانب الخرطوم بدعم هؤلاء المتمردين، تتهم بدورها الحكومة السودانية بدعم حركة التمرد في تشاد، وتارة أخرى كانت تنخرط في الوساطة بين أطراف الصراع، وتقف إثيوبيا موقفاً مشابهاً‏ً,‏ وإن تمسكت بالمظهر المحايد محافظة على وضعها بوصفها قوة إقليمية في شرق أفريقيا‏,‏ أما إريتريا، فقد ظلت في موقع المتهم بمساعدة المعارضة السودانية لإسقاط نظام الإنقاذ‏.

لم يقتصر عدم وفاء جيش التحرير بالتزاماته على الملاحق المنصوص عليها في الاتفاق، وإنما فيما يتصل بالسيطرة على القوات والتحكم فيها وتجميعها أيضاً، وكان ذلك مقدمة للتنصل من الاتفاقية كلها، وفي خطوة لاحقة، انطلاقاً من وعيه بضعف موقفه، وهزال الاتفاق الذي تفاوض حوله ـ حسب ما جاء في تقرير مجموعة الأزمات الدولية 25 مارس 2004 ـ دعا جيش التحرير أنصاره لاجتماع، في منتصف أكتوبر 2003، لاستخلاص الدروس من مفاوضات سبتمبر 2003، وفي ترقية أجندة الحركة السياسية للجولات المقبلة من عملية التفاوض. وفي غضون ذلك، تواصلت خروقات وقف إطلاق النار، والتي نسبت لحركة العدل والمساواة، التي لم تكن طرفاً في اتفاقية السلام، وأبرزها الهجوم على معسكر القوات المسلحة في منطقة أبو قمره، في 4 ديسمبر 2003، وعُدت تلك الخروقات نوعاً من تبادل الأدوار بين حركتي التمرد.

وخلال المفاوضات التمهيدية، التي سبقت الجولة الثالثة في انجامينا، اتفق الرئيس التشادي "إدريس ديبي" مع "منى أركو مناوي" على بنود، أهمها أن يمنح المتمردون عفواً عاماً، وأن يستوعبوا في القوات النظامية، وأن يجمع سلاح الجانجويد متزامناً مع تسليم المتمردين سلاحهم، وأن تبدأ تنمية المناطق التي تأثرت بالحرب وتعميرها، غير أن المتمردين، وخلافاً لما هو متفق عليه، بأن تبدأ المفاوضات من حيث انتهت في أبشي الثانية، ووفق ما وصلت إليه المفاوضات التمهيدية ـ طرحوا عند بداية الجولة الثالثة شروطاً كانت تعجيزية؛ ما دفع الوسيط التشادي لإعلان انهيار المفاوضات، وتحميل المتمردين المسؤولية عن ذلك، وقد تمثلت تلك الشروط في مطالبتهم بخضوع ولايات دارفور الثلاث لقيادتهم في ظل نظام فيدرالي، وأن تكون هناك فترة انتقالية، تمتد من عامين إلى أربعة أعوام، وأن يتسلم جيش التحرير قيادة المنطقة العسكرية الغربية، ومنحهم 13% من الدخل القومي، ووزارات سيادية، إلى جانب رقابة دولية على تنفيذ الاتفاق.

واستؤنفت المفاوضات مجدداً، بعد ثلاثة أشهر من انهيار المفاوضات، في انجامينا، في 16 ديسمبر 2003، تحت رعاية الرئيس التشادي "إدريس دبي" وبحضور مراقبين من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث وصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، في 8 ابريل 2004، لتسهيل إيصال العون الإنساني للنازحين واللاجئين والمتأثرين بالحرب، على أن تعقد محادثات سياسية، بعد أسبوعين من الاتفاق، غير أن الاتفاق الذي أبرم لاحقاً، في انجامينا، في أبريل الماضي، حول مشاركة حاملي السلاح في مؤتمر جامع، يُعنى بمعالجة كل قضايا دارفور ـ أثار انقسامات داخل حركتي التمرد، وأعلنت قياداتها تنصلها من الاتفاق، وفي الفترة من 8 ابريل 2004، تاريخ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، وحتى 22 يونيه 2004، سجلت ولاية شمال دارفور 43 خرقاً للاتفاق من قبل حاملي السلاح، وفقاً لما ذكره والي شمال دارفور.

2. المفاوضات والاتفاقات الرامية لتسوية أزمة دارفور

تعددت الجهود ومحاولات إيجاد تسوية مقبولة لدى أطراف الأزمة، ومن تلك المحاولات:

أ. اتفاق أبشي

نصت الاتفاقية، في ديباجتها، على أنها نتجت عن رغبة المجموعات المكونة لجيش تحرير السودان في الحوار، لوضع أسس للحل السلمي، ومخاطبة جذور المشكلة، والاعتراف بسلطة الدولة على المستوى الرئاسي والولائي. ويذكر أن هذه المجموعات المسلحة تتكون من خمس فصائل رئيسة، تقطن مناطق دار زغاوة، وجبل سى، وجبل ميدوب، وجبل مرّه، وأخيراً منطقة مورنى. وذلك تحت قيادة القائد الميداني عبد الله أبكر، الذي كان قد قاد الهجوم على مدينة الفاشر. وقد رفضت حركة العدل والمساواة الاشتراك في هذه المفاوضات، لأنها قدّرت أن الوسيط التشادي غير محايد ومتحيز إلى الخرطوم، ومن ثم، فقد اشتملت الاتفاقية على ثلاثة أطراف رئيسيين، هم: الحكومة السودانية، وحملة السلاح بدارفور (جيش تحرير السودان)، إضافة إلى الحكومة التشادية، التي تقوم برعاية الاتفاقية.[1]

كما نصت اتفاقية أبشي، الموقعة بين الحكومة وجيش تحرير السودان، في 3 سبتمبر 2003، على وقف إطلاق النار بين الطرفين، ووقف كل العمليات العدائية، التي من شأنها أن تؤدى إلى تفاقم الأوضاع، والتحكم والسيطرة على المجموعات المسلحة غير النظامية في مسارح العمليات وأن يطلق الطرفان سراح أسرى الحرب والمعتقلين الذين لهم صلة بهذه القضية كافة، وأن تجميع قوات جيش تحرير السودان في مواقع يحدد باتفاق الطرفين، وأكد التزام الطرفين بإرساء دعائم السلام الشامل والدائم في المنطقة، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، إلى جانب تكوين لجنة ثلاثية، من الحكومة السودانية والحكومة التشادية وجيش تحرير السودان؛ لمتابعة تطبيق بنود هذه الاتفاقية. ونص البند "السابع من الاتفاق" على بدء المفاوضات الخاصة بملاحق الاتفاق، بعد 45 يوماً من تاريخ التوقيع على الاتفاقية، للوصول إلى سلام شامل، مع تسليم الأسلحة في فترة لا تتعدى الأسبوعين، بعد الاتفاق النهائي حول الملاحق. وبسبب عدم إحضار الملاحق من قبل جيش تحرير السودان، في الفترة المحددة، لم تحرز الجولة الثانية من المفاوضات، التي انعقدت في أبشي، أيضاً، تقدماً في الفترة من 26 أكتوبر 2003 إلى 4 نوفمبر 2003.

وصدر بيان مشترك، منح مهلة 30 يوماً لجيش تحرير السودان لإحضار الملاحق، بعد أن أثبت البيان عدم التزام جيش التحرير بإحضار تلك الملاحق المذكورة في اتفاقية السلام، بتاريخ 3 سبتمبر 2003، وأكد البيان المشترك أن الإطار القانوني للمفاوضات المقبلة حول الملاحق هو اتفاقية السلام، كما نص على السماح للمنظمات الإنسانية الوطنية والدولية بالدخول للمناطق التي تأثرت بالحرب، وضمان حرية تنقل الأفراد والممتلكات.

ب. جولة مفاوضات انجامينا الأولى ديسمبر 2003

تقرر أن تنعقد الجولة التالية من المحادثات في انجامينا العاصمة، في 16 ديسمبر 2003، وذلك حتى يستطيع الرئيس التشادي "إدريس ديبي" الاشتراك فيها مباشرة. وكانت آمال كبيرة تعلق على هذه الجولة، التي كان من المفترض أن تصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ووضع الأسس لاتفاق نهائي. وبالنظر لأهمية هذه الجولة، كان الرئيس "ديبي" قد سافر قبلها بيومين إلى الخرطوم، للاجتماع مع الرئيس البشير، للبحث في سبل تجاوز العقبات المعلقة. وعلى الرغم من كل ذلك فقد انهارت المفاوضات قبل أن تبدأ، إذ إن وفد حركة تحرير السودان طرح مطالب جديدة، لم تكن واردة من قبل، كان من أهمها إعطاء حكم ذاتي واسع النطاق لإقليم دارفور، من خلال حكومة فيدرالية برئاستهم في ولايات دارفور الثلاث، وأن تكون هناك فترة انتقالية، تمتد من عامين إلى أربعة أعوام، مع الحصول على حصة من عوائد البترول تقدر بـ 13%، وكذلك الاحتفاظ بجيش تحرير السودان خاضعاً لحركة تحرير السودان، على أن يتسلم قيادة المنطقة العسكرية الغربية، بعد إخلائها من القوات المسلحة السودانية، مع منحهم وزارات سيادية، إلى جانب رقابة دولية على تنفيذ الاتفاق، الأمر الذي دعا الرئيس "ديبي" إلى الطلب من وفد حركة تحرير السودان أن يغادر الأراضي التشادية فوراً، كما أعلن تخليه عن الوساطة. وأعلن أن حركة تحرير السودان هي المسؤولة عن فشل المفاوضات. وأشارت التقارير الصحافية إلى إغلاق للحدود السودانية التشادية، الأمر الذي يعنى انقطاع الإمدادات اللوجستية عن المتمردين.

قامت الحكومة السودانية، في أول رد فعل لها على انهيار المفاوضات، بإعلان حالة الطوارئ في ولايتي شمال وجنوب دارفور، وإعلان التعبئة العامة فيهما، واستدعاء قوات الدفاع الشعبي، وحظر التجول من العاشرة مساء إلى السادسة صباحاً في جميع أنحاء هاتين الولايتين، وعقد رئيس الاستخبارات العسكرية السودانية، الذي كان يقود الوفد الحكومي، مؤتمراً صحفياً تفصيلياً، اتهم فيه اريتريا وحزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده الترابي وأطرافاً خارجية، بأنها هي التي تقف وراء حركة تحرير السودان، وتقدم لها المساعدات المالية والسلاح والكوادر والتخطيط. وقد بادرت الحكومة السودانية، عقب ذلك، إلى اعتقال بعض قادة حزب المؤتمر الشعبي في دارفور، واتهمت الحزب بأنه يسعى إلى إحداث فتنة في غرب السودان، يحاول من خلالها إسقاط النظام، والتأثير على المفاوضات الجارية آنذاك في نيفاشا.

في هذه المرحلة يبدو أن وجهتي نظر كانتا متصارعتين داخل النظام، إحداهما كانت ترى ضرورة الاستمرار في محاولات التسوية السلمية عن طريق التفاوض، بسبب صعوبة السيطرة الأمنية على الإقليم في حالة اندلاع عمليات عسكرية واسعة النطاق، بينما رأت وجهة النظر الأخرى أن حركات التمرد غير جادة في الوصول إلى تسوية، وأنها تسعى إلى كسب المزيد من الوقت، الأمر الذي قد يزيد من جاذبيتها لدى السكان المحليين، ويمكنها من استقطاب الدعم والمؤازرة من الخارج، ويؤدي استمراراً إلى خلق أساس موضوعي لمطالبها السياسية الآخذة في التصاعد، خاصة أن الحركات المسلحة أعلنت أن المناطق الواقعة تحت سيطرتها مناطق محررة. وضح أن وجهة النظر هذه قد تغلبت، بعد فشل هذه الجولة من المفاوضات، في انجامينا، قبل أن تبدأ، وبعد أن حمل الرئيس التشادي حركتي التمرد مسؤولية انهيار المفاوضات. وقد أدى ذلك إلى إطلاق حملة عسكرية هائلة ضد مواقع التمرد، شاركت فيها القوات المسلحة (بما فيها القوات الجوية) وميليشيات الدفاع الشعبي، التي جاء معظم أفرادها من أبناء القبائل العربية، والتي عُرفت إعلامياً فيما بعد باسم الجانجويد. وقد عمدت هذه الحملة إلى قصف القرى والأماكن، التي ينطلق منها التمرد، في محاولة لعزله عن أي مصدر للدعم أو المساندة، ما أدى إلى وقوع الكارثة الإنسانية، ورغم ضخامة وهذه الحملة وعنفها، وإعلان الرئيس البشير، في 9 فبراير 2004، أن قد قُضِيَ على التمرد، إلا أنها لم تقد إلى النتائج المطلوبة في تحقيق الاستقرار والأمن.

ج. جولة مفاوضات انجامينا الثانية إبريل 2004

في ظل تردى الأوضاع الإنسانية، وازدياد حدة القتال، بدأت المساعي التشادية في العودة إلى الساحة، من أجل عقد اتفاق سلام بين الحكومة والمتمردين. وقد حظيت هذه الجهود بدعم الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، اللتين قدمتا إلى تشاد مقترحاً بعقد المفاوضات ببلجيكا أو تشاد، غير أن الأمر استقر على بقاء المفاوضات في تشاد، حيث بدأت المحادثات بالفعل، في 30 مارس 2004، في انجامينا، وإن كانت هذه المرة تجرى بهيكل مختلف عن جولة انجامينا الأولى التي انهارت في 16 ديسمبر 2003، وكانت امتداداً لاتفاقية أبشي.

ويمكن القول إن انجامينا الثانية قد مثلت قطيعة مع الجهود السابقة، حيث أصبحت الوساطة التشادية أقرب إلى الدور الذي تلعبه كينيا تحت مظلة الإيجاد في رعاية مفاوضات سلام جنوب السودان، وأصبح هيكل المفاوضات يشتمل على مراقبين من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، كما شاركت فيها حركة العدالة والمساواة التي لم تشارك في اتفاقية أبشي، والتي كانت تصر، في السابق، على إعطاء الأولوية لمناقشة المطالب السياسية قبل تناول القضايا الإنسانية، على عكس موقف حركة تحرير السودان، التي كانت تسعى إلى التناغم مع مواقف داعميها الدوليين. كما تجدر الإشارة، أيضاً، إلى أن انجامينا الثانية لم تبدأ من حيث تعثرت المفاوضات السابقة، ولكنها تناولت أجندة جديدة، أصبحت الأولوية فيها لحل القضايا الإنسانية، طبقاً لأولويات المجتمع الدولي، ثم تناقش القضايا السياسية بعد ذلك. وهكذا بدأت خطوة جديدة في تدويل قضية دارفور، شملت تدويل المنبر التفاوضي وأجندة التفاوض كليهما، الأمر الذي أسس بوضوح لقبول دور دولي في الإشراف والرقابة على أي بنود تتفق عليها الأطراف.

د. وقف إطلاق النار ابريل 2004

بعد خلافات كثيرة، وقع الطرفان، في 8 أبريل 2004، اتفاقاً لوقف إطلاق النار، اشتمل على عشر نقاط أساسية، كان من أهمها وقف الأعمال العدائية لمدة خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد، وإطلاق سراح أسرى الحرب والآخرين الموقوفين بسبب الصراع، وتسهيل وصول إمدادات العون الإنساني للنازحين والضحايا المدنيين الآخرين، ووقف الخصومات والحملات الإعلامية. كما التزمت الحكومة بالسيطرة على الميلشيات المسلحة، على أن تُجمع قوات المعارضة في مواقع محددة، مع تكوين لجنة مشتركة تضم الأطراف والوساطة التشادية والمجتمع الدولي، بشرط احترام سيادة جمهورية السودان. وبالإضافة إلى ذلك، كان هناك بند ينص على اجتماع الأطراف للتفاوض، لإيجاد حل لمشكلاتهم، والتفكير في إيجاد حل شامل ودائم لمشكلة دارفور، خاصة تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، في إطار مؤتمر يضم كل ممثلي دارفور.

وعلى الرغم من وصول المراقبين، الذين بلغ عددهم 80 مراقباً إلى دارفور بالفعل، إلا أنهم لم يتمكنوا من أداء جيد لعملهم، لافتقادهم الدعم اللوجستي المناسب (مقار إقامة مجهزة، عربات للتنقل، أجهزة اتصال حديثة، قوات لحماية تحركاتهم)، كما استمرت انتهاكات وقف إطلاق النار في دارفور، وألقيت المسؤولية بالدرجة الأولى على قوات الجانجويد، وهو ما أثار احتجاجات دولية مستمرة، ووصل الأمر إلى إعلان الاتحاد الأوروبي استعداده لإرسال مراقبين إلى دارفور لمراقبة وقف إطلاق النار، وتحديد الأطراف التي تنتهك هذا الاتفاق، وهو ما رفضته الحكومة السودانية، استناداً إلى أن اتفاق انجامينا لوقف إطلاق النار بين الحكومة السودانية والمتمردين، يحدد التزامات للطرفين بهدف إعادة الاستقرار إلى المنطقة، ولم يشر الاتفاق إلى أي تدخل خارجي لحفظ السلام أو المراقبة في دارفور، وإنما حدد تدابير يعود عبرها الاستقرار. ويتمثل دور المجتمع الدولي في مساعدة الطرفين لتنفيذ ما اتُفق عليه.


 



[1] ويمكن إيجاز أهم بنود الاتفاقية في:

الاتفاق على وقف الأنشطة العدائية لمدة 45 يوماً، والسيطرة على المجموعات المسلحة غير النظامية في مسارح العمليات، إطلاق سراح أسرى الحرب والموقوفين، وتجميع قوات جيش تحرير السودان والانسحاب المتزامن للمجموعات المسلحة، بالإضافة إلى إقامة لجنة ثلاثية (الخرطوم، تشاد، جيش تحرير السودان) لمراقبة تنفيذ الاتفاق. كما اتفق على أن تبدأ المفاوضات الخاصة بالملاحق وبتنفيذ هذه البنود بعد 45 يوما من التوقيع على الاتفاق للوصول إلى سلام شامل على أن تسلم الأسلحة في خلال فترة لا تتعدى أسبوعين بعد الاتفاق النهائي على الملاحق التي تتبع هذه الاتفاقية والمذكرات التفسيرية التابعة لها. وقد أعطت الاتفاقية مطلباً وحيداً لحركة التمرد السياسية، جاء في المادة الخامسة وهو ضرورة التزام الطرفين بإرساء دعائم السلام الدائم والشامل في المنطقة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكانت الترتيبات الأمنية التي تقوم بتجميع قوات جيش تحرير السودان وتجريد المتمردين من السلاح تنص على أن ذلك مقابل انسحاب المجموعات المسلحة غير النظامية، ولم تلزم الاتفاقية الحكومة بتجريد الميلشيات التابعة لها من السلاح.