إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مشكلة دارفور، وتداعياتها المحلية والإقليمية والعالمية






مناطق اللاجئين
إقليم دارفور
حدود إقليم دارفور



الفصل الأول

هـ. قمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا

عقد الاتحاد الأفريقي قمته الثالثة، في الأسبوع الأول من يوليه 2004، في أديس أبابا، حيث استحوذت أزمة دارفور على النصيب الأكبر من اهتمام القمة، وتكونت قمة أفريقية مصغرة خاصة بمشكلة دارفور، برئاسة الرئيس النيجيري، "أوبا سانجو"، رئيس دورة الاتحاد الأفريقي، وعضوية كل من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، "عمر كوناري"، ورؤساء كل من السودان والسنغال وجنوب أفريقيا. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في إطار هذه القمة، كان هناك خلاف حول مهمة القوات الإضافية المقرر إرسالها لحماية المراقبين، إذ رأت الخرطوم أن مهمة القوة هي حماية المراقبين لا تتعداها، في حين يرى كل من الرئيس النيجيري ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، أن هذه المهمة تشمل حماية المدنيين في حالة تعرضهم للاعتداء. وفى كل الأحوال مثلت القرارات، التي صدرت عن هذه القمة بشأن دارفور، نقلة نوعية مهمة في مفاوضات دارفور، إذ أصبحت المفاوضات تجري برعاية الاتحاد، ويتولى مسؤولية تنظيمها.

دعا الاتحاد الأفريقي إلى جولة جديدة من المفاوضات، بين حكومة السودان وجماعات المعارضة السودانية، في 15 يوليه 2004، في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، لحل الأزمة في الإقليم، وقد انعقدت مفاوضات أديس أبابا في موعدها المحدد، إلا أن تمثيل وفدى التمرد كان منخفضاً، حيث بعثوا بقيادات من الصف الثاني قامت بتكرار المطالب عينها، التي سبق طرحها قبيل انعقاد المباحثات، وذلك في أجواء من الصخب. وسادت في هذه الجولة أجواء غير إيجابية عموماً، حيث أفصح رئيس وفد حركة العدالة والمساواة، "أحمد محمد تاجود"، عن رأى سلبي في جهود الاتحاد الأفريقي، بالقول إنه ليس في إمكان أفريقيا أن تحل أزمة دارفور، رغم أننا واثقون من رغبة الاتحاد في حلها. وقد انتهت المفاوضات، بعد يومين من بدء انعقادها، بانسحاب وفدي التمرد من دون الوصول إلى نتائج محددة. ومن جانبها، رأت الحكومة السودانية أن المتمردين لم يلتزموا بتجميع قواتهم في معسكرات محددة، كما أشارت اتفاقية انجامينا، في إبريل 2004، ومن ثَم، فليس لهم الحق في المطالبة بتنفيذ بنود هذه الاتفاقية التي تخص الجانب الحكومي، في الوقت الذي لم ينفذوا فيه ما عليهم من التزامات. وأشار الدكتور "مجذوب الخليفة"، رئيس الوفد الحكومي المفاوض، عقب عودته من أديس أبابا، بعد انهيار المفاوضات، إلى أربعة أسباب تقف وراء انسحاب وفد متمردي دارفور:

(1) أن موقف وفدي التمرد تكتيكي، ويهدف إلى نقل ملف القضية من الاتحاد الأفريقي إلى الأمم المتحدة.

(2) أن وفدي حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان لم يكونا على اتفاق تام أو توافق واضح، وذلك بسبب التباين في الطرح والمواقف السياسية.

(3) غياب الإستراتيجية الكلية، وعدم توافر الرؤية السياسية لدى قيادات المتمردين.

(4) عدم وجود قيادات أو شخصيات ذات وزن وخبرة تمثل المتمردين.

و. مفاوضات أبوجا الأولى أغسطس/ سبتمبر 2004

أحاطت المشكلات والخلافات بجولة أبوجا الأولى، التي انعقدت في الفترة من 23 أغسطس إلى 15 سبتمبر 2004، وذلك رغم الحضور الإقليمي والدولي الكثيف من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ولذا، فقد جرى التركيز على منهج الفصل بين الملفات المختلفة للقضايا المطروحة، وتقسيمها إلى ثلاثة ملفات رئيسية تتعلق بالشئون الإنسانية، والوضع الأمني، وقضايا الحل السياسي والمسائل الاقتصادية ـ الاجتماعية، على أن تكون القضية الإنسانية على رأس الاهتمام لضرورة إغاثة النازحين واللاجئين، ثم تليها القضايا الأمنية لضرورة لحفظ الأمن والاستقرار، وتأمين الطرق والوسائل المناسبة لانسياب عملية الإغاثة ووصولها إلى النازحين، ثم تأتي بعد ذلك المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد عُد الوصول إلى مثل هذا التفاهم على جدول التفاوض إنجازاً وتقدماً في المفاوضات، الأمر الذي يوضح مدى الارتباك والمراوحة عند الطرفين.

لم تنشب الخلافات في هذه الجولة بين الجانبين بشأن القضايا الإنسانية، ولكنها نشبت بالأساس حين الدخول في القضايا الأمنية، فبالنسبة للقضايا الإنسانية جرى استعراض تقريرين مختصرين حول الأوضاع الإنسانية في الإقليم من مندوب الأمم المتحدة في الخرطوم ومن الوفد الحكومي، إلا أن وفدي المعارضة طالبا بالانتظار حتى تقدم الأمم المتحدة وحكومة السودان تقارير شاملة ومفصلة حول الوضع الإنساني في دارفور. أما بالنسبة للمسائل الأمنية، فقد شهد موقف الحكومة السودانية قدراً من المرونة بشأن المسائل الأمنية، وذلك في اتجاه الموافقة على زيادة حجم قوات الاتحاد الأفريقي في دارفور للقيام بمهمة نزع السلاح من المتمردين ووضعهم في ثكنات محددة، إلا أن خلافات نشبت بشأن تجميع قوات المتمردين، والتي وردت في المحور الأمني، وهو ما دفع وفدي حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة إلى الانسحاب من المحادثات، ما كاد يهدد بانهيارها في مرحلة مبكرة.

في محاولة لتقريب الخلافات بين الحكومة والمعارضة، اقترح وفد الوساطة التابع للاتحاد أفريقي مشروعاً بشأن الأمن ونزع السلاح، يشدد على ضرورة تطبيق اتفاق انجامينا لوقف كامل إطلاق النار، ووقف الغارات على المدنيين، وتقديم قائمة بأسماء الجانجويد، وتقديم زعمائهم إلى المحاكمة، والسماح للقوات الأفريقية بمراقبة تحركاتهم. وقد عرض الاتحاد أفريقي هذا المشروع على حركتي دارفور والحكومة السودانية، ولكنهم رفضوه.

ز. القمة الخماسية في ليبيا

أجري خمسة من القادة الأفارقة، في العاصمة الليبية، يوم 17 أكتوبر 2004‏‏، مباحثات لوضع أسس لإنهاء النزاع بإقليم دارفور، منعاً لـ"تدويله"، وتفادياً لفرض الأمم المتحدة عقوبات على حكومة الخرطوم. وشارك في القمة، التي استغرقت يوماً واحداً، قادة ثلاث دول مجاورة للسودان هم: الزعيم الليبي "معمر القذافي"، والرئيس المصري "حسني مبارك"، ونظيره التشادي "إدريس ديبي"، والرئيس السوداني "عمر البشير"، فضلاً عن الرئيس النيجيري "أوليسيجون أوباسانجو" الذي كانت بلاده تترأس الاتحاد الأفريقي في ذلك الحين. وكانت طرابلس قد وجهت الدعوة إلى متمردي دارفور للاجتماع مع القذافي، غير أنهم لن يشاركوا في القمة. وكانت الأهمية الرئيسية للقمة تتمثل في إظهار استعداد القوى الإقليمية التدخل في أزمة يخشى أن تمزق بلداً يكافح بالفعل حرباً أخرى في الجنوب، ويواجه عدم استقرار في الشرق".

ويبدو أن الزعيم الليبي، عندما وجه الدعوة إلى عقد هذه القمة، كان يرمي إلى أهداف ثلاثة، وهي:

·   تأمين وصول الغذاء إلى النازحين في الإقليم.

·   تحقيق الأمن.

·   إيجاد حل شامل للأزمة، بطريقة مباشرة، بوجود زعماء دول الجوار.

وذلك لتفادي تدويل النزاع، وتجنب عقوبات مجلس الأمن على السودان، إذا لم يف بتعهداته، فيما يتعلق بنزع سلاح ميليشيات الجنجويد"، التي يزعم الغرب أنها مدعومة من الحكومة السودانية. وكان وزير الخارجية الليبي، "عبد الرحمن شلقم"، قد أبدى تفاؤله بنتائج هذه القمة، مشيراً إلى أن هناك "موافقة دولية على عقد هذه القمة، وتأييداً واسعاً لها من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.

ح. الجولة الثانية من أبوجا

انعقدت الجولة الثانية من المفاوضات، في الفترة ما بين 21 أكتوبر إلى 10 نوفمبر 2004، وعلى أية حال، فإن النتيجة الأبرز لهذه الجولة تمثلت في التوقيع على البروتوكولين الخاصين بتعزيز الأوضاع الإنسانية والأمنية في إقليم دارفور، وشهد التوقيع الرئيس النيجيري، "اوليسيجون اوباسانجو"، إضافة إلى عدد كبير من الوسطاء الأفارقة والغربيين. وقد نص البروتوكول الأمني في أهم بنوده على ما يلي:

(1) موافقة الأطراف على الالتزام الصارم بأحكام اتفاقيتي انجامينا وأديس أبابا، والالتزام مجدداً بضمان وقف فاعل لإطلاق النار براً وجواً.

(2) اتفاق الأطراف على دعم اتفاقية انجامينا وتسهيل تطبيقها.

(3) امتثالاً للمادة الخامسة من اتفاقية انجامينا، تلزم الأطراف نفسها بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأشخاص المعتقلين لعلاقتهم بالأعمال العدائية في دارفور.

أما بروتوكول القضايا الإنسانية، فقد نص في أهم بنوده على ما يلي:

(1) حرية التنقل والدخول إلى المناطق.

(2) التعهد بضمان حرية دخول المساعدة وعمال الإغاثة الإنسانية، من أجل الوصول إلى جميع المحتاجين في كل مكان في دارفور، ويشمل ذلك:

(أ) إلغاء القيود والإجراءات كافة، التي تعرقل حرية التنقل والدخول براً وجواً.

(ب) أن تصرح حكومة السودان، إذا وجدت الأمم المتحدة ذلك ضرورياً، بمرور الأنشطة الإنسانية عبر الحدود من قبل الوكالات والمنظمات الإنسانية الدولية. وبهذا الخصوص، تلتزم بالسماح لمثل هذه المساعدة بحرية المرور.

(ج) تنفيذ كل الالتزامات المتعلقة بحماية المدنيين، بما فيها تلك التي جاءت في البيان المشترك، وقرارات الاتحاد الأفريقي ذات الصلة، وقرار مجلس الأمن الرقم 1556 (2004)، وخطة العمل حول دارفور، الموقعة بين حكومة السودان والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى السودان في الخرطوم، بتاريخ 5 أغسطس 2004، بما يطابق اتفاقي انجامينا وأديس أبابا. ومطالبة بعثة الاتحاد الأفريقي، في السودان، بمراقبة تنفيذ هذا الالتزام، وتقديم تقرير منتظم للجنة المشتركة المنصوص عليها في اتفاق انجامينا.

ط. القمة السداسية بليبيا

شارك الرئيس السوداني، عمر البشير، في القمة السداسية بشأن دارفور، التي انعقدت بالعاصمة الليبية طرابلس، في 13 مايو 2005، بمشاركة رؤساء السودان ومصر وليبيا ونيجيريا وتشاد والجابون، وذلك بهدف تهيئة مناخ المفاوضات النهائية لقضية دارفور تحت إشراف الاتحاد الأفريقي. وقال الدكتور مجذوب الخليفة، رئيس الجانب الحكومي في مفاوضات أبوجا، إن القمة السداسية جاءت تعزيزاً للحوار الاجتماعي، ودعماً لتهيئة مناخ المفاوضات النهائية لقضية دارفور. مشيراً إلى أن القمة هي واحدة من قرارات القمة الأفريقية التي انعقدت في أبوجا. وأوضح أن القمة نتاج لقرار الاتحاد الأفريقي في قمته السابعة، التي أشارت إلى أهمية أن تنعقد هذه القمة في دولة ذات صلة مباشرة بقضية دارفور مثل مصر أو نيجيريا أو تشاد أو ليبيا، وكان المشاركون في الملتقى الجامع لأبناء دارفور، الذي ضم ممثلي الإدارة الأهلية وحركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بدارفور، وأبناء دارفور في المهجر، قد وقعوا قبل انعقاد المؤتمر إعلان طرابلس، حيث أكدوا التزامهم بوقف إطلاق النار، تنفيذاً للاتفاقات والبروتوكولات، الموقعة بين الحركتين والحكومة، إلى جانب إدانة أشكال الاعتداءات كافة من نهب وسلب واختطاف.

ي. وثيقة إعلان المبادئ لمستقبل الحوار السياسي في إقليم دارفور

بدأت الجولة الخامسة في 10 يونيه 2005، وبعد تعثر طويل وقعت الحكومة السودانية مع الحركتين المسلحتين الرئيسيتين، في 5 يوليه 2005، وثيقة إعلان المبادئ، الذي يؤسس لمستقبل الحوار السياسي في الإقليم، وجرت مراسم التوقيع في العاصمة النيجيرية أبوجا، في ختام الجولة الخامسة للمفاوضات. واتفقت الأطراف على العودة، مجدداً، إلى طاولة المفاوضات، في 24 أغسطس 2005. ونص الاتفاق على إشاعة الديموقراطية والتعددية السياسية والحرية، وقيام مجتمع مدني، واستقلال القضاء والإعلام، وحقوق المواطنة وحرية التعبير والتجمع لكل السودانيين.

كما اتفقوا على قيام نظام فيدرالي، وإعادة تأهيل الإقليم، وتوزيع منصف للثروات. وحول تأخر حركة تحرير السودان في توقيع الإعلان، قال حافظ يوسف حمودة، القيادي في الحركة، إن السبب يعود إلى أننا طالبنا بإدراج عدة نقاط إلى إعلان المبادئ من بينها، فصل الدين عن السياسة، وتوصلنا إلى صيغة وسط بألا يكون الدين عامل تفرقة بين المواطنين. وأضاف أنهم طالبوا بتعديل صيغة متعلقة بملكية الأراضي، على أن تستمر الصيغة القديمة الموروثة في معالجة إشكالات الأراضي. كما أشار إلى أن حركته ثبتت قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان والشفافية في الديباجة. وقد نص إعلان المبادئ لحل النزاع السوداني على أهمية قيام نظام ديمقراطي، يحقق التعددية السياسية والحرية، وقيام مجتمع مدني يتسم بالحركة والنشاط. وأشار الإعلان، الذي احتوى على 17 محوراً، إلى تمكين سيادة القانون، واستقلال القضاء، وحرية وسائل الإعلام، والمساءلة والشفافية، والعدل والمساواة للجميع، بغض النظر عن العرق والعقيدة والجنس، أساساً للمشاركة لجميع المواطنين السودانيين في إدارة شؤونهم الخاصة، وعملية اتخاذ القرار على كل مستويات الحكم.

ك. القمة الإفريقية السباعية في طرابلس

خلصت القمة السباعية، التي احتضنتها ليبيا، في 17 مايو 2005، وشارك فيها قادة ليبيا والسودان وتشاد وإريتريا ومصر برئاسة الرئيس النيجيري بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وبحضور ممثلين عن الجابون، وتجمع دول الساحل والصحراء (س. ص)، والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ـ إلى تفويض القذافي للاستمرار في اتصالاته مع كافة الأطراف في دارفور إلى أن يتحقق حل دائم للمشكلة، والتشاور والتنسيق في هذا الشأن مع القادة والرؤساء المشاركين في هذه القمة. وجاء هذا التفويض بعدما قام القذافي بوساطة للمساعدة في تعزيز الثقة بين الأطراف المتحاربة وتسوية الخلافات, فيما قال وزير التعاون والتكامل الأفريقي بالحكومة النيجيرية، لاوان جانا جوبا، إن المحادثات الرامية إلى وضع حد لهذا الصراع، والتي يرعاها الاتحاد الأفريقي، ستستأنف في نيجيريا، في الثلاثين من شهر مايو 2005. وقال الرئيس السوداني، عمر البشير، إن القمة قررت استبعاد أي تدخل أجنبي في قضية دارفور، وان تظل القضية إفريقية، كما اتفق على أن تبعث الدول المشاركة في الجولة أيضاً ممثلين للمساهمة في تقريب وجهات النظر بين المتفاوضين.

من جانبه أعلن الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السوداني، عقب القمة، الاتفاق على عقد مؤتمر جامع، يضم كل مواطني دارفور، بعد الفراغ من مباحثات أبوجا, معتقداً أن القمة وضعت خارطة طريق لمسيرة المباحثات لحل المشكلة حلاً نهائياً، على أن يقتصر الوجود العسكري في دارفور على القوات الإفريقية فقط، ورفضت القمة أي وجود لقوات أجنبية غير إفريقية. وقال إن الدول الأخرى يمكنها الإسهام بتوفير المعينات من وسائل النقل والاتصالات, موضحاً أن القمة قررت دعم توصيات ملتقى أبناء دارفور الثالث، والذي تمخض عنه نداء طرابلس الثاني، حيث تبنت القمة العمل على تنفيذ توصيات الملتقي، وتحويلها إلى واقع بدارفور.

ل. القمة السداسية الثانية في ليبيا

في محاولة لتأكيد دعم الأفارقة لرفض السودان نشر قوات دولية في إقليم دارفور، عُقدت يوم 21 نوفمبر 2006، في العاصمة الليبية طرابلس، قمة سداسية مصغرة، بحضور ثلاثة من الرؤساء العرب. وشارك في أعمال القمة، التي خصصت لمعالجة تطورات الوضع الراهن في دارفور ومتابعتها، كل من الرئيس المصري، "حسني مبارك"، ونظرائه السوداني "عمر حسن البشير"، والتشادي "إدريس ديبي"، والإريتري "أسياس أفورقي"، ورئيس جمهورية أفريقيا الوسطى "فرنسوا بوزيزي"، إضافة إلى الزعيم الليبي، العقيد "معمر القذافي".. وبدأت القمة أعمالها بجلسة مغلقة، يبدو أنها سعت إلى احتواء ملف الخلافات السودانية ـ التشادية، وخصوصاً بعد تجدد الحرب الإعلامية المتبادلة بين الخرطوم ونجامينا. واستبق مبارك والبشير والقذافي القمة الأفريقية المصغرة بعقد قمة عربية مصغرة، جرى خلالها مناقشة ملف إقليم دارفور من جهة العلاقة مع الأمم المتحدة، وكيفية إدارتها بما لا يعرض السودان لأي عقوبات دولية، ويجنبه أي مواجهة محتملة مع المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود اتجاهاً غربياً يدعو إلى نشر قوات تابعة للمنظمة الدولية لحفظ السلام في الإقليم.

كما أكد الاجتماع أهمية استمرار الجهود المبذولة لحل المشكلة في دارفور، وذلك انطلاقاً من قمة طرابلس الأفريقية الخماسية، الخاصة بالوضع في الإقليم، وتأسيساً عليها للتوصل إلى مصالحة حقيقية في دارفور، وخصوصاً بعد الاتفاق الذي وُقِع في طرابلس، مطلع أوائل نوفمبر 2006، بين حركة جيش تحرير السودان والحكومة السودانية، والذي مثل خطوة إلى الأمام في هذا الاتجاه في إطار حل المشكلة أفريقياً. وبعدما انضم الرئيس التشادي إلى القمة الثلاثية، خُصّص الاجتماع لمناقشة العلاقات السودانية التشادية، في ضوء الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، بناء على مبادرات القذافي، باحتواء التوتر الطارئ على هذه العلاقات، وإعادتها إلى طبيعتها. وتتمسك الخرطوم بضرورة استمرار عملية حفظ السلام في دارفور بقيادة الاتحاد الأفريقي، على أن تعزّز بمزيد من الأموال ومهمات الإمداد والتموين. وكان الزعيم الليبي قد أكد ضرورة عدم السماح بالتدخل الخارجي في السودان، "لأنه ينطوي على مخاطر على السودان وعلى دول الجوار"، مشيراً إلى أنه إذا جاء حلف شمال الأطلسي، ووضع جنوده على حدود السودان، فستكون هذه كارثة على السودان ودول الجوار.

3. جهود جامعة الدول العربية لتسوية أزمة دارفور

تابعت الجامعة العربية أزمة دارفور منذ تفجرها. فخلال الفترة من 29 أبريل إلى 15مايو 2004، أوفد الأمين العام بعثة رسمية للوقوف على الأوضاع في دارفور (كانت أول بعثة دولية لتقصي الحقائق في دارفور)، وشملت مهمة البعثة زيارة السودان، حيث عقدت لقاءات مع الوزراء والمسؤولين بالحكومة السودانية في الخرطوم، إضافة إلى زيارات ميدانية إلى شمال دارفور (الفاشر)، وجنوب دارفور (نيالا)، وغرب دارفور (الجنينة)، لتفقد الأوضاع في الولايات الثلاث وفي مخيمات النازحين واللاجئين شرق تشاد. كما شملت مهمة البعثة زيارة إثيوبيا، وعقد لقاء في أديس أبابا مع رئاسة الاتحاد الأفريقي ومع مفوض شئون الأمن والسلم في الاتحاد الأفريقي، وكذلك زيارة تشاد، حيث عقدت بعثة الجامعة العربية لقاءات مع المسؤولين في الحكومة التشادية المعنية بالأزمة، إضافة إلى زيارة مخيمات اللاجئين في شرق تشاد. كما عقدت البعثة أيضاً لقاءات مع مسؤولي وكالات الأمم المتحدة المعنية بالشأن الإنساني. وتضمن تقرير البعثة عرض الأسباب وأبعاد الأزمة وتطوراتها، وما أسفرت عنه من انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان، وأزمة إنسانية حادة خلفت عدداً كبيراً من النازحين واللاجئين.

تدارس مجلس الجامعة، في دورته غير العادية على المستوي الوزاري، التي عقدت، في 8 أغسطس 2004، تطورات الأوضاع في دارفور، في ضوء تقرير بعثة الجامعة العربية لتقصي الحقائق، وشارك في هذا الاجتماع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وممثله الخاص لدارفور، ويان برونك ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الدولة النيجيري ممثلاً للرئيس أوباسانجو رئيس الاتحاد الأفريقي. وقرر المجلس تقديم الدعم الكامل للاتحاد الأفريقي، في قيادة الجهود الرامية إلى حل الأزمة، ومشاركة الدول العربية، الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، في دعم بعثة مراقبي وقف إطلاق النار وقوات حمايتها في دارفور. ويمكن القول إن هذا الاجتماع قد صاغ خطة عربية ـ أفريقية دولية للتعاطي مع الأزمة في دارفور.

فقد بدأت المفاوضات السياسية لتسوية أزمة دارفور بين حكومة السودان وحركتي التمرد المسلح (حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة)، في العاصمة النيجيرية أبوجا، في أغسطس 2004، وشارك أمين عام الجامعة العربية في افتتاح المفاوضات بدعوة من الرئيس أوباسانجو، والسيد "ألفا عمر كوناري"، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، كما شاركت الجامعة بفعالية في جهود الوساطة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي ومشاركة المجتمع الدولي خلال جولات المفاوضات كافة، والتي أسفرت عن توقيع البروتوكولين الأمني والإنساني، في 9 نوفمبر 2004، وإعلان مبادئ عامة لحل النزاع السوداني في دارفور، بتاريخ 5 يوليه 2005. كما شاركت الجامعة في الآلية المشتركة بين الحكومة السودانية والأمم المتحدة، لتقييم الالتزامات الواردة في البيان المشترك الصادر عنهما، واللجنة المشتركة لوقف إطلاق النار لمراقبة الاتفاق الإنساني لوقف إطلاق النار الموقع في انجامينا، في 8 أبريل 2004.

واعترافاً من ممثلي المجتمع الدولي، في هذه المفاوضات، بأهمية البعد والدور العربيَين في تسوية أزمة دارفور، واستناداً إلى المحصلة الدبلوماسية، التي تقوم بها الجامعة لدي سائر أطراف الأزمة، منذ بداية جولات التفاوض، اختير ممثل الجامعة العربية لكي يتولي تنسيق التعاون بين ممثلي المجتمع الدولي المشاركين في المفاوضات، وكان المتحدث باسم الأطراف الدولية، حتى توقيع الاتفاق، في 5 مايو 2006، بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان، بشهادة ممثل الجامعة العربية وتوقيعه، إلى جانب بقية الشركاء.

أما موقف الجامعة من قرار مجلس الأمن الرقم 1706 لسنة 2006، فقد أبرزه اعترف مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية الخاص بالسودان، "اندرو ناتسيوس"، بأن مباحثاته مع الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، في القاهرة، في هذا الشأن، لم تنجح في الوصول إلى اتفاق حول نشر قوات دولية في إقليم دارفور غرب السودان. كما أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد القرار الرقم 1706، لأنه صادر من الأمم المتحدة، وأن هناك جهود تبذل، للوصول إلى طريقة مناسبة، لرأب الصدع بين موقف الحكومة السودانية والأمم المتحدة حول هذا الموضوع.

كما وصف ناتسيوس لقاءه مع أمين الجامعة العربية بأنه كان مفيداً وبناءً، بشأن الوضع في دارفور بصفة خاصة والسودان عامة، والوضع الإنساني هناك، وحقوق الإنسان في دارفور. وأشار إلى أنهما اتفقا على خطوات سريعة وفورية وعملية، تنفذ في الوقت الحالي، وكذلك اتفقا على سرعة التحرك، ليس فقط مع الحكومة السودانية والمتمردين، ولكن أيضاً مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية"، مؤكداً الحاجة إلى موقف جماعي لحل هذا الموضوع. وأشار ناتسيوس إلى أنه ناقش مع موسى اقتراحاً مصرياً عربياً، لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1706 الخاص بدارفور. وأن الإدارة الأمريكية تدرس الاقتراح المقدم من جانبهما بشأن الأزمة.

كان عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، قد أعلن أن مجلس الجامعة أصدر قراراً لدعم السلام والتنمية والوحدة في السودان، يؤكد ضرورة الحصول على موافقة حكومة السودان المسبقة، قبل إرسال أي قوات أخرى إلى دارفور. وقال موسى إن القرار يرحب بنتائج مفاوضات أبوجا للسلام حول دارفور، والتي أسفرت عن توقيع اتفاق سلام دارفور، يوم 5 مايو 2006، بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان، كما حث الأطراف على تنفيذه بالسرعة اللازمة، ومناشدة كافة الأطراف، التي لم توقع عليه، إلى الالتزام بالحوار وسيلة وحيدة لتحقيق السلام في دارفور.

وينص القرار على تقدير الدور الذي قامت به الأمانة العامة، في مفاوضات أبوجا، وصولاً إلى توقيع اتفاق السلام، وطلب منها مواصلة جهودها، مع مفوضية الاتحاد الإفريقي، والمنظمات الدولية الأخرى ذات العلاقة، لضمان تنفيذ الاتفاق، وذلك من خلال مشاركتها في الآليات واللجان المنشأة بموجب اتفاق السلام. ويشيد القرار بالخطوات الإيجابية، التي اتخذتها الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان بقيادة "منى أركو ميناوى"، نحو بدء تنفيذ سلام دارفور، وما أفضى إليه ذلك من تطورات ملموسة، على الصعيد السياسي والأمني والإنساني، ودعوتهما إلى الإسراع باستكمال ما اتفق عليه، والعمل على تهيئة المناخ الملائم لعقد مؤتمر الحوار الدارفوري، وتكثيف جهود التنمية وإعادة الإعمار بدارفور تنفيذاً لاتفاق السلام.

ودعا القرار المجموعات المسلحة، التي لم توقع على اتفاق سلام دارفور، إلى نبذ التصعيد العسكري، ومطالبة المجتمع الدولي ببذل الجهود للحيلولة دون مناهضة الاتفاق عسكرياً، أو من خلال إثارة النعرات القبلية داخل معسكرات النازحين واللاجئين، مرحباً برغبة الحكومة السودانية في الحوار مع هذه المجموعات من دون التأثير على اتفاق أبوجا. وقال "عمرو موسى"، الأمين العام للجامعة العربية، إن مجلس الجامعة، على المستوى الوزاري، رحب، في القرار الخاص بدعم السلام والتنمية والوحدة في السودان، بالتطورات الإيجابية، التي شهدتها العلاقات السودانية-التشادية، وكذلك العلاقات السودانية ـ الاريترية، وانعكاساتها الملموسة على مجمل الأوضاع في السودان والمنطقة. وأضاف أن مجلس الجامعة أكد ـ بعد إطلاعه على قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1706 ـ ضرورة الحصول على موافقة حكومة السودان المسبقة قبل إرسال أي قوات أخرى إلى دارفور، تجنباً لنتائج رفض وجودها. كما دعا إلى الحوار والتشاور، بين الحكومة السودانية والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية وأعضاء مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى تفاهم، يسهم بفاعلية في تنفيذ اتفاق أبوجا للسلام في دارفور.

وأكد المجلس، كذلك، أهمية جهود بعثة الاتحاد الإفريقي في معالجة الأزمة، وأهمية تنفيذ قرار قمة الخرطوم العربية الأخيرة والخاص بتحمل تكلفة قوات الاتحاد الإفريقي، ابتداء من أول أكتوبر 2006، وتحويل المساهمات إلى حساب صندوق دعم السودان بالجامعة العربية. ودعا المجلس الدول العربية الأفريقية إلى تعزيز مشاركتها في قوات بعثة الاتحاد الإفريقي ومراقبيها، في دارفور، تأكيداً على أهمية جهود بعثة الاتحاد الإفريقي في معالجة الأزمة، وفقاً لاتفاق السلام الموقع. كما دعا المجتمع الدولي إلى الوفاء بالتزاماته، نحو دعم اتفاق سلام دارفور وإنفاذه، وتقديم الدعم اللازم ـ بما في ذلك المادي ـ إلى بعثة الاتحاد الإفريقي، في دارفور، لإنجاز مهامها. وطالب القرار الخاص بدعم السلام في السودان الأمانة العامة للجامعة العربية باتخاذ الإجراءات المناسبة والعاجلة نحو إيفاد وفد للتباحث مع مفوضية الاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن الإفريقي، من أجل بحث تطورات الأوضاع في دارفور، وسبل تعزيز جهود بعثة الاتحاد الإفريقي في دارفور، ومواصلتها بموجب اتفاق أبوجا والاتفاقات الأخرى ذات الصلة.

كما طالب مجلس الأمن الدولي بدراسة الخطة الشاملة المقدمة من حكومة السودان، في الثاني من أغسطس 2006، لتحسين الأوضاع وحفظ الأمن في دارفور، والدخول في حوار مع الحكومة حولها. وطالب، كذلك، رئاسة مجلس الجامعة، والعضو العربي في مجلس الأمن، والأمين العام لجامعة الدول العربية، بمتابعة المباحثات، التي تعقد في إطار أجهزة الأمم المتحدة من أجل بحث الأوضاع في دارفور، والعمل على طرح مضامين قرارات مجلس الجامعة بشأن تسوية أزمة دارفور، على أساس الاحترام الكامل لسيادة السودان واستقلاله ووحدة أراضيه.

وحث القرار الدول الأعضاء في الجامعة العربية على تقديم أشكال الدعم المادي والفني كافة لمساعي الاتحاد الإفريقي نحو التوعية بدور اتفاق السلام في رفع المعاناة الإنسانية عن السودانيين بدارفور، ونشر ثقافة السلام في هذه المنطقة، وتحقيق الأمن والاستقرار لأبنائه. ودعا الدول الأعضاء، ومنظمات وأجهزة العمل العربي المشترك، وصناديق التمويل والاستثمار العربية، والغرف التجارية العربية، والمنظمات الأهلية العربية، والقطاع الخاص العربي، للمشاركة في المؤتمرات العربية، التي تعقد لدعم ومعالجة الأوضاع الإنسانية في دارفور، بهدف توفير دعم عربي ملموس، يسهم في معالجة الحاجات الإنسانية، التي خلفها الصراع في دارفور، والمساعدة على العودة السريعة للاجئين والنازحين، من أهالي دارفور، إلى ديارهم.

ودعا، كذلك، الدول الأعضاء إلى المشاركة الفاعلة، في اجتماع المانحين الدوليين، لإعادة إعمار دارفور، والمقرر عقده في لاهاي بهولندا، خلال الأشهر المقبلة. وفى شأن الأوضاع في جنوب السودان، رحب القرار الخاص بدعم السلام في السودان بالخطوات المتخذة، لتنفيذ اتفاق السلام الشامل، بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، الموقع في العاصمة الكينية نيروبي. داعياً الطرفين إلى الإسراع في مواصلة جهودهما لتنفيذ الاتفاق. وكُلِّفت اللجنة الوزارية للسودان بمتابعة موضوع تقديم مساهمات الدول العربية المالية إلى الصندوق العربي لدعم السودان، وتنمية جنوبه والمناطق المتأثرة بالحرب، ووضع جدول زمني وفق الأولويات التي تقترحها حكومة السودان. ودعا القرار الأمانة العامة للجامعة العربية إلى الإسراع بافتتاح مكتب للجامعة في جوبا، بجنوب السودان، لتنسيق العون العربي، والمساهمة في تنفيذ اتفاق السلام الشامل، كما دعا الدول العربية وصندوق النقد العربي وصناديق التمويل العربية المعنية إلى عقد اجتماع طارئ، لبحث معالجة الديون السودانية لها، دعما لمسيرة السلام وحفزاً لمجهودات التنمية، وإعادة الإعمار في ربوع السودان كافة. وحث الدول والصناديق ومؤسسات التمويل العربية إلى مواصلة الجهود والمشاركة الفاعلة في الاجتماع التنسيقي الرابع للتنمية والاستثمار في جنوب السودان، خلال النصف الأول من عام 2007، لتنسيق الاستثمارات التنموية في جنوب السودان والمناطق المتأثرة بالحرب، وخاصة في مجالات البنية الأساسية والخدمات العامة والاجتماعية.

مع كل ما ذكر، يرى بعضهم أن غياب الدور العربي والجامعة العربية، وتسليم أمر الخرطوم للاتحاد الأفريقي، الذي يتعاطف ضمنياً مع مطالب المتمردين، بصفتهم من العنصر الأفريقي، الذي تروج الدعاية الغربية أنهم مضطهدون من جانب العنصر العربي ـ يسهم في تحكم أكبر للأطراف الغربية في ممارسة الضغوط المتنوعة على السودان.

4. الوساطة التشادية لتسوية أزمة دارفور

لقد تدخل الأفارقة في القضية بتبني الوساطة التشادية، والتي تصر الحكومة السودانية على جعلها الأساس لعدة اعتبارات، منها أنها تستطيع الضغط على تشاد على أساس أن التهديد الأمنى للحكومة التشادية دائما يأتى من السودان عبر دارفور، وأن تشاد تعتمد اقتصادياً على السودان، عبر بوابة بور سودان لنقل وارداتها، ولقد استغل المتمردون ضعف الموقف التشادي ذريعة لعدم حضور المفاوضات. وقد أدى الموقف من قضية دارفور إلى تمرد داخلي، في صفوف النخبة الحاكمة، بتشاد، وإخماد محاولة انقلاب ضد إدريس دبي، قالت بعض أجهزة المخابرات الغربية أن اثنين من إخوته غير الأشقاء متورطان فيها، وهما: تيمان دبي، ذو النفوذ الديني الواسع، ودوسة دبي، اعتقاداً بأن الحكومة التشادية تخلت عن الزغاوة. وذكرت بعض التقارير الغربية أن أكثر من 150 من ضباط الجيش التشادي قد التحقوا بأقربائهم المتمردين في السودان، كما أن الجيش التشادي يمد المتمردين بانتظام بالسلاح والمؤن.

5. الدور المصري في المساعي لإيجاد تسوية للأزمة

يُعَد ما يحدث في السودان، بصفة عامة، وما يحدث في دارفور بصفة خاصة، سابقة بالغة الخطر، يجب التنبه لها، في إطار سياسة تفكيك العالم العربي، ثم تفتيت دوله، وحتى لا يفيق العالم العربي على سودان جديد ممزق الأوصال، قد زالت عنه صفته العربية والإسلامية، وأصبح ساحة للصراع العربي الأفريقي، بدلاً من أن يكون أرضاً للتعايش بين العرب والأفارقة، وجسراً متيناً للتضامن بين الطرفين، وإذا كان الاتحاد الأفريقي غير مقتنعٍ بالطرح الأمريكي، الذي يركز على أن الصراع في دارفور هو صراع بين العناصر العربية والأفريقية. فإنه من المناسب أن تبدأ الجامعة العربية، على الفور، حواراً مع الاتحاد الأفريقي، لتنسيق المواقف العربية والأفريقية، لاسيما أن قرارات مجلس الأمن تعطي مساحة واسعة لدور الاتحاد الأفريقي، ذلك أن حصر القضية في إطار إقليمي يمكن أن يساعد على البحث عن حل عربي لصلب المشكلة، بدلاً من الدوران حول مضاعفاتها أو المتاجرة السياسية بمثل هذه المآسي الإنسانية، في إقليم دارفور وغيره من الأقاليم السودانية، والعمل في إطار مخطط أوسع ضد العالم العربي والإسلامي.

ولا شك أن السودان الموحد الديموقراطي إضافة مهمة للمصالح المصرية والعربية، ولذلك فإن الطريق التي يتجه إليها السودان تمثل تحدياً حقيقياً للمصالح المصرية والعربية، وتتطلب من مصر رؤية ودوراً يتناسبان مع إدراكها لخطورة هذه التطورات. إن الخشية الحقيقية، في هذا الصدد، أن تكون مصر غير قادرة على استيعاب ما يحدث في السودان ومضاعفاته عليها، أو أن تكون غير قادرة على التحرك بذرائع، لا يمليها سوى القعود عن الدفاع عن المصالح، والعجز عن إدراك الأهداف، وفي كل الأحوال، فإن مصر هي الخاسر الأكبر في معادلة السودان، وستدفع أجيالها القادمة ثمن القعود والعجز الذي لازم الموقف المصري من قضايا السودان طيلة السنوات الماضية.

رغم الأهمية القصوى والمصالح الكبيرة لمصر في السودان، فإن التحرك المصري جاء متواضعاً، ولا يرقى إلى المستوى المناسب للمصالح والعلاقات مع السودان، وتركز السياسة المصرية في هذا الصدد على اتخاذ موقف وسط بين ما يصدر من قرارات عن مجلس الأمن، وما تمارسه الدول الفاعلة في المجتمع الدولي من ضغوط على السودان، وما يجب أن تقوم به من أدوار تجاهه. وعلى سبيل المثال، في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1706 لسنة 2006، وفي أعقاب لقاء بين وزير الخارجية المصري والمبعوث الأمريكي إلى السودان، صرح الوزير المصري أنه طرح على الموفد الأمريكي بعض الأفكار التي ترى مصر أنها يمكن أن تسهم في تجاوز الأزمة، وتعد حلاً وسطاً بين الموقف السوداني الرافض لنشر القوات الدولية، والموقف الداعي إلى سرعة إرسال تلك القوات إلى إقليم دارفور، وأن الحلول الوسطى المطروحة يمكن أن تضمن توفير التمويل اللازم لقوات حفظ السلام من ميزانية الأمم المتحدة، من دون الحاجة للوقوع تحت ضغوط الحاجة لتوفير التمويل من الأطراف المانحة، وأن مصر تركز على أهمية أن ينصب الاهتمام الدولي في التعامل مع الأزمة من خلال التركيز على دعم البعثة الأفريقية، وضم الأطراف غير الموقعة على اتفاق سلام دارفور إلى الاتفاق والبدء الفوري في إطلاق حوار دارفور ـ دارفور، مع محاولة الوصول إلى صيغة يتفق عليها بين الأطراف، تسمح بتولي الأمم المتحدة دوراً في حفظ السلم والاستقرار في دارفور، من دون المساس بالسيادة السودانية.

تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي كان يستعد فيه وزراء الخارجية العرب لعقد اجتماعهم الطارئ بالقاهرة، يوم الأحد 8 أغسطس 2004، بناءً على طلب السودان، ومع تحركات تبذلها مصر، لمد المهلة الممنوحة للحكومة السودانية، لحل مشكلة دارفور، قدَّم أعضاء بلجنتَي الشئون العربية في مجلسي الشعب والشورى المصريين إفادات أمام وزير الخارجية، أحمد أبو الغيط، تؤكد الرفض المطلق لأي محاولات للتدخل الأجنبي في أزمة دارفور في السودان، وضرورة إتاحة الفرصة الكاملة للحكومة السودانية، وبالتعاون عربيًا وأفريقياً، من أجل إنهاء الأزمة. وأوضح الأعضاء أن أي تدخل أجنبي، في مشكلة دارفور، سوف يعقد من مسيرة الانفراج لها خلال هذه المرحلة.

6. الدور الليبي في المساعي لإيجاد تسوية للأزمة

دأبت الجهود والمساعي الليبية في التحرك من أجل إنهاء الصراع الدائر في دارفور، وإيجاد تسوية مقبولة من أطراف الصراع المختلفة لها، والتي اعتمدت القمم التي دعت ليبيا إلى انعقادها، آلية مناسبة للمساعدة في تحقيق ذلك ومنها القمة الخماسية التي عقدت، يوم 17 أكتوبر 2004، بمشاركة كل من ليبيا والسودان ومصر وتشاد ونيجيريا، من ناحية أخرى، فإن ليبيا التي رأت ضرورة توحيد مواقف الأطراف المتناحرة، قبل الإقدام على أية وساطة لحل هذا الصراع، كانت قد نجحت في استضافة أعمال الملتقى الثالث لأبناء دارفور، الذي اختتم أعماله قبل انعقاد القمة الخماسية، التي عقدت في العاصمة الليبية طرابلس، يوم 17 أكتوبر 2004 بثلاثة أيام، بتوقيع ممثلي حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان وممثلين عن الإدارة الأهلية في إقليم دارفور على إعلان طرابلس، الذي تضمن عشر نقاط منها: تأكيد الالتزام بوقف إطلاق النار، والنص على تعاون الإدارة الأهلية والحركتين المسلحتين على فتح طرق الإغاثة والتجارة بين مدن دارفور وخارجها، وكذلك تكوين آلية اتصال بين الإدارات الأهلية والحركتين وزعماء العشائر، والعمل على إطلاق سراح المعتقلين وأسرى الحرب كافة، سواء من جانب الحكومة أو الحركتين، بسبب النزاع في دارفور، تنفيذاً للبروتوكول الأمني الموقع في أبوجا 2004، كما ينص على الاستئناف العاجل للمفاوضات للوصول إلى حل سياسي للأزمة وتحقيق الاستقرار والأمن والتنمية.

كذلك كانت القمة السداسية للدول الأفريقية المتاخمة للسودان، التي بدأت أعمالها، يوم 13 مايو 2005، بمشاركة كل من ليبيا والسودان ومصر وتشاد ونيجيريا والجابون، للوصول إلى حل عملي، لإنهاء المأساة الإنسانية في دارفور، إلا أن هذه القمم لم تتمخض سوى عن توصيات بمواصلة المفاوضات، بينما لا يتغير شيء على أرض الواقع. وقد توصل قادة الدول الأفريقية الست، في قمتهم المصغرة المنعقدة في طرابلس، حول أزمة دارفور، إلى اتفاق على استئناف محادثات السلام المتعثرة في السودان، في موعد أقصاه نهاية شهر أغسطس 2004، وهو ما أكده الرئيس السوداني عمر حسن البشير.

وكان وزير الخارجية السوداني مصطفى إسماعيل قد أوضح في ختام جلسة قصيرة من المحادثات قبل القمة أن أهم شيء في هذا الاجتماع هو إقرار استئناف محادثات السلام، وأضاف قائلاً:"أعددنا خارطة طريق أكثر وضوحا لحل المشكلة في دارفور من أجل الوصول إلى سلام شامل". ومن جانبه دعا الرئيس النيجيري أولوسيجون اوباسانجو، جميع الأطراف المعنية إلى بذل المزيد من الجهود للوصول إلى قرار صريح لحل الأزمة أو إفساح المجال أمام العالم لتقديم هذا الحل إذا كانوا عاجزين عن ذلك.وكانت قمة سداسية أخرى قد عقدت أيضاً في العاصمة الليبية طرابلس في 21 نوفمبر 2006 وشارك في أعمالها، التي خصصت لمعالجة ومتابعة تطورات الوضع الراهن في دارفور، كل من الرئيس المصري "حسني مبارك" ونظرائه السوداني "عمر حسن البشير" والتشادي "إدريس ديبي" والاريتري "أسياس افورقي" ورئيس جمهورية أفريقيا الوسطى "فرنسوا بوزيزي"، إضافة إلى الزعيم الليبي العقيد "معمر القذافي".

يلاحظ أن الجهود الإقليمية المبذولة، من أجل إيجاد تسوية مناسبة، للصراع الدائر في إقليم دارفور، ووضع حد للأزمة فيه، سواء كانت بمبادرات من دول أفريقية فاعلة كمصر وليبيا وتشاد ونيجيريا، قد كانت أكثر حيوية وايجابية من تلك الجهود الدولية، التي لم تسفر سوى عن مجموعة من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، دفع إلى إصدارها دفعاً من جانب دول فاعلة فيه، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا.


 



[1] ويمكن إيجاز أهم بنود الاتفاقية في:

الاتفاق على وقف الأنشطة العدائية لمدة 45 يوماً، والسيطرة على المجموعات المسلحة غير النظامية في مسارح العمليات، إطلاق سراح أسرى الحرب والموقوفين، وتجميع قوات جيش تحرير السودان والانسحاب المتزامن للمجموعات المسلحة، بالإضافة إلى إقامة لجنة ثلاثية (الخرطوم، تشاد، جيش تحرير السودان) لمراقبة تنفيذ الاتفاق. كما اتفق على أن تبدأ المفاوضات الخاصة بالملاحق وبتنفيذ هذه البنود بعد 45 يوما من التوقيع على الاتفاق للوصول إلى سلام شامل على أن تسلم الأسلحة في خلال فترة لا تتعدى أسبوعين بعد الاتفاق النهائي على الملاحق التي تتبع هذه الاتفاقية والمذكرات التفسيرية التابعة لها. وقد أعطت الاتفاقية مطلباً وحيداً لحركة التمرد السياسية، جاء في المادة الخامسة وهو ضرورة التزام الطرفين بإرساء دعائم السلام الدائم والشامل في المنطقة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكانت الترتيبات الأمنية التي تقوم بتجميع قوات جيش تحرير السودان وتجريد المتمردين من السلاح تنص على أن ذلك مقابل انسحاب المجموعات المسلحة غير النظامية، ولم تلزم الاتفاقية الحكومة بتجريد الميلشيات التابعة لها من السلاح.