إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مشكلة دارفور، وتداعياتها المحلية والإقليمية والعالمية






مناطق اللاجئين
إقليم دارفور
حدود إقليم دارفور



تحديث مشكلة دارفور

المبحث الخامس عشر

موقف المنظمات الدولية والإقليمية والدول الفاعلة من أزمة دارفور

أولاً. موقف المنظمات الدولية والإقليمية من الأزمة

1. دور الأمم المتحدة لإنهاء الأزمة

المحكمة الجنائية الدولية ليست من هيئات منظمة الأمم المتحدة، فهي مستقلة؛ لكن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يستطيع أن يطلب من المحكمة الجنائية الدولية الشروع في تحقيق، كما فعل فيما يتعلق بالوضع في السودان. فلقد منح نظام روما الأساسي، الذي وافقت عليه جميع دول العالم، وهي 180 دولة ذات أنظمة قانونية متباينة، منح مجلس الأمن سلطة إحالة الدعاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فيها. وتستند علاقة مجلس الأمن بالمحكمة الجنائية الدولية إلى مسؤولية المجلس فيما يتعلق بحفظ السلام والأمن العالميين، لا إلى كونه طرفاً في نظام روما الأساسي. ويستطيع مجلس الأمن أن يقرر إن كان الموقف في إحدى الدول يشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين. وعلى هذا الأساس يحيل المسألة إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولا يمكن، بالطبع، تجاهل العوامل السياسية، لكن كون المحكمة الجنائية الدولية كيانا مستقلاً، يُعد ضمانا ًموضوعياً في مواجهة التحيزات السياسية؛ وتقوم المحكمة بتحقيقاتها الخاصة وتستمع للشهود وتجمع المعلومات. ومدعيها العام، على هذا الأساس، مخول لاتخاذ قرار مواصلة التحقيق من عدمه؛ وهل الجرائم المرتكبة تدخل في اختصاص المحكمة أم لا. والمدعي العام وحده هو من يقرر قبول الحالة أو رفضها. إن المحكمة الجنائية الدولية ليست محكمة استئناف، فهي نظام قضائي موازٍ، وإن وفى القضاء الوطني بمسؤولياته، لا يكون للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص بالقضية.

تزايدت إشارات القلق في الآونة الأخيرة مع طلب "بان كي مون"، الأمين العام للأمم المتحدة، من الرئيس السوداني "عمر البشير"، ما سماه التعاون مع المحكمة الدولية، بغض النظر عن القرارات التي ستتخذها. وكان الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" قد طلب، في 5 مارس 2009، من الحكومة السودانية إعادة النظر في قرارها بطرد 13 منظمة إنسانية من البلاد. وقال "كي مون" إن المنظمات الإنسانية العاملة في دارفور تعد الشريان الحيوي لأكثر من أربعة ملايين سوداني، يستفيدون من الإغاثات الإنسانية التي تقدمها، وإن القرار سيسبب أضراراً جسيمة لهم. يُذكر أن الرئيس السوداني قرر طرد هذه المنظمات، وفي أعقاب على قرار التوقيف الصادر من محكمة الجنايات الدولية بحقهن وكان سبب طردها أنها تتجسس على السودان، وتقدم معلومات كاذبة. من جانبه قرر الإتحاد الإفريقي إرسال وفد إلى مجلس الأمن في محاولة لتعليق أي إجراء بحق البشير.

2. موقف منظمة المؤتمر الإسلامي من الأزمة

جددت منظمة المؤتمر الإسلامي، في 7 يناير 2009، رفضها لادعاءات المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني "عمر البشير"، مؤكدة أن تفعيل طلب توقيف البشير سيؤدي إلى إيقاف عمليات التنمية وجهود الاستقرار والمصالحة في السودان. وذكر "مهدي فتح الله" مبعوث المنظمة، في تصريحات صحفية عقب مباحثاته مع "علي أحمد كرتي" وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية، إن تفعيل قرار المحكمة الجنائية سيؤدى إلى إيقاف عمليات التنمية وجهود الاستقرار والمصالحة، التي يقوم بها السودان. وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد طلب، في 14 يوليه 2008، إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني بدعوى ارتكابه جرائم حرب في إقليم دارفور غرب السودان. وأكد فتح الله حرص المنظمة على سيادة السودان، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، مشيراً إلى أن المنظمة ستقوم خلال المرحلة القادمة ببذل جهود حثيثة مع قادة الحركات المتمردة، استكمالاً لعملية السلام في دارفور. ونفى صحة ما تتناقله وسائل الأعلام بشأن الأوضاع في دارفور، قائلا "إن زيارتي لدارفور جعلتني أشاهد الاستقرار والجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة السودانية، من أجل التنمية وتعزيز الأمن وتوفير الخدمات في دارفور.

من جهة أخرى، قال فتح الله إن اللقاء أكد على الدور الفاعل لمنظمة المؤتمر الإسلامي خلال المرحلة القادمة، خاصة في مجالات المصالحة الاجتماعية، وعمليات إعادة الإعمار، وإقامة مشروعات تنموية، معلناً أن المنظمة بصدد فتح مكتب لها في دارفور، ليكون نقطة اتصال بينها وبين الدول المانحة والحكومة لتنفيذ هذه المشاريع. وأضاف أن المنظمة ستعقد مؤتمراً خلال الأشهر القليلة القادمة بشأن دارفور بالسعودية، مشيراً إلى أن المنظمة ستدعو جميع الدول المانحة والمنظمات غير الحكومية والإسلامية للمشاركة في المؤتمر، بهدف تقديم الدعم اللازم لتعزيز السلام في دارفور. وأشار فتح الله إلى لقائه في دارفور بالوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي "جبريل باسولى"، واتفاقه معه على زيارة مقر المنظمة بجدة، والتباحث حول الترتيبات الخاصة بالتعاون بين الجانبين.

3. دور جامعة الدول العربية لإنهاء الأزمة

شهدت جامعة الدول العربية، في 14 يوليه 2008، مشاورات مكثفة لتحديد كيفية التعاطي العربي مع طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية توقيف الرئيس السوداني "عمر البشير"، لاتهامه بالتورط في" أعمال إبادة جماعية" في دارفور. وكان السفير "عبد المنعم مبروك"، مندوب السودان لدى الجامعة العربية، قد أشار إلى قرار عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية، في 19 يوليه 2008، لاتخاذ موقف عربي موحد إزاء المحكمة الجنائية، فيما وصف البرلمان العربي الانتقالي قرار المحكمة بأنه وصمة عار في حق المدعى العام، لاسيما أنه صدر لاعتبارات "سياسية" وليست "قانونية"، تهدف إلى إرهاب الدول. وفى هذا الصدد، أكد مبروك رفض بلاده للاتهامات التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية إلى الرئيس البشير، واصفاً هذه الاتهامات بـ "الجائرة والظالمة". وأضاف، أن المحكمة الجنائية تجاوزت دورها من أداة لتحقيق العدل إلى خصم سياسي، مشيراً إلى أنها تعمل من خلال أجندة سياسية لتصفية الحسابات في السودان، مشيراً إلى أن بلاده تتحرك في الاتجاهات الدبلوماسية والسياسية كافة لحشد الدعم والتأييد لموقفها، وشرح التداعيات الخطيرة، ليس على امن السودان وحده بل على الوضع الإقليمي والدولي برمته.

وفى السياق ذاته، أعرب البرلمان العربي الانتقالي عن أسفه إزاء طلب المحكمة الجنائية الدولية توقيف الرئيس "عمر البشير"، مؤكداً أن الاتهامات الموجهة للبشير تثير قلق الأمة العربية من أن تتحول المحاكمات أمام هذه المحكمة، التي أنشئت أساساً لتحقيق العدالة الدولية وفقاً لنظامها الأساسي المعتمد في روما، عام 1998، إلى محاكمات لإرهاب الدول الصغرى وفرض هيمنة الدول الكبرى. وقال رئيس البرلمان "محمد جاسم الصقر" في بيان، إن توقيف رئيس دولة عربية تسعى جاهدة إلى حقن دماء أبنائها من خلال توحيد صفوفهم، وملاحقة مرتكبي الجرائم التي وقعت في دارفور، هو "وصمة عار" في حق المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، في الوقت الذي يصمت فيه منذ إنشاء هذه المحكمة على جرائم الإبادة الجماعية، التي ترتكبها كل يوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد شعب بأسره (قاصداً الفلسطينيين). وأشار إلى أن إسرائيل تمارس علناً وبلا استحياء سياسة التجويع والقتل والإبادة والاغتيالات، مع سبق الإصرار والترصد، ضد الشعب الفلسطيني، وتحت سمع وبصر العالم كله، ولا يحرك المدعى العام ساكناً. وطالب الصقر المدعي العام بإعادة النظر في مذكرة التوقيف بحق البشير، والتي تصدر من منطلقات "سياسية"، وليست "قانونية"، لافتاً إلى أن المطالبة بتوقيف البشير سيؤدي إلى إذكاء نار الفتنة، التي أوشكت أن تخمد في دارفور، وهو ما يجعل مذكرة التوقيف تفتقد للحكمة، فضلاً عن افتقادها لأبسط مبادئ العدل والإنصاف".

من جانبه، حذر البرلمان المصري، يوم 15 يوليه 2008، من خطورة إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس البشير، مؤكداً أن هذا من شأنه تعقيد الأمور وعرقلة التسوية السلمية في دارفور، بل قد يؤدي إلى انهيار اتفاقية السلام الشامل في السودان. وأوضح أن هناك علامات استفهام قانونية خطيرة على طلب المحكمة توقيف البشير، مشيراً إلى أن القرار يهدف إلى ترويع السودان وإرهابه. وأكد البرلمان أهمية الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، من أجل مساندة السودان أمام المجتمع الدولي، معرباً عن أمله في أن يتوصل الوزراء، بشكل سريع، إلى تجميد القرار، حرصاً على السلام والاستقرار في السودان والمنطقة كلها. وشدد على أن نواب البرلمان المصري يساندون بشكل كامل السودان، ويقفون قلباً وقالباً مع الشعب السوداني ورموزه ضد قرار المحكمة، الذي يعصف بالحل السياسي لقضية دارفور، وينذر بعواقب وخيمة على استقراره ووحدته. من جانبه، أكد نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، أن قرار المحكمة الجنائية الدولية يحمل أبعادا سياسية لا تتفق مع الكثير من الخطوات التي اتخذتها الخرطوم. وأضاف أن اختصاص المحكمة يشمل الدول الأعضاء فقط، وتمارس اختصاصاتها بالتكامل مع النظام القضائي الوطني للدولة العضو، وهو ما لا ينطبق على السودان.

وقد أكد عمرو موسى، خلال فبراير 2009، أن وفداً عربياً يرأسه نائبه "أحمد بن حلي" زار نيويورك، في إطار جهود الجامعة العربية لمواجهة احتمالات صدور مذكرة التوقيف، حيث كان مقررا أن يجري الوفد مشاورات مع أعضاء مجلس الأمن، لإقناعهم بضرورة التدخل لوقف إجراءات محكمة الجنايات الدولية اللاحقة، لما لها من آثار سلبية على محادثات السلام المتعثرة في دارفور.

في 4 مارس 2009، فإن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، المنعقد في دورة غير عادية، بمقر الأمانة العامة، بعد استماعه إلى العرض المقدم من رئيس وفد جمهورية السودان ومداخلات رؤساء الوفود بهذا الخصوص، وإذ يؤكد على قراراته السابقة بشأن الموضوع، يقـــرر الإعراب عن انزعاجه الشديد لصدور قرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس "عمر حسن أحمد البشير" رئيس جمهورية السودان؛ والتأكيد على التضامن مع جمهورية السودان، في مواجهة أي مخططات تستهدف النيل من سيادته ووحدته واستقراره، وعلى أهلية القضاء السوداني واستقلاليته، كونه صاحب الولاية الأصيلة في إحقاق العدالة، ورفض أي محاولات لتسييس مبادئ العدالة الدولية، واستخدامها في الانتقاص من سيادة الدول ووحدتها واستقرارها، والإعراب عن الأسف لعدم تمكن مجلس الأمن من استخدام المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لتأجيل الإجراءات المتخذة، من قبل المحكمة الجنائية الدولية؛ والتأكيد على حصانة رؤساء الدول، وفقاً لاتفاقية فيينا للحصانات والامتيازات الدبلوماسية لعام 1961. وإن إصدار هذا القرار يتجاوز الجهود الإفريقية والعربية للإحاطة بهذه الأزمة، ولا يأخذ في الاعتبار متطلبات العدالة وتحقيق الاستقرار والسلام في السودان، واعتبارات معالجة الوضع في دارفور، وبصفة خاصة تنفيذ اتفاق السلام الخاص بجنوب السودان والإعداد للانتخابات العامة المقررة. وأن صدور هذا القرار يضع صعوبات بالغة أمام هذه الجهود لإقرار السلام وإنفاذ اتفاقية السلام في الجنوب.

كما تضمن قرار الجامعة الطلب من مجلس الأمن تحمل مسؤولياته تجاه حفظ السلم الأهلي والاستقرار في السودان، في ظل الجهود الحثيثة التي تقوم بها حكومة الوحدة الوطنية لتحقيق السلام الشامل، في ربوع البلاد كافة. وحث الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن على التوصل إلى موقف موحد لحماية السلام والاستقرار في السودان، وإتاحة الفرصة لتحقيق تقدم على مسار التسوية السياسية لازمة دارفور؛ ومطالبة كافة الأطراف في السودان بعدم إتاحة الفرصة لتقويض جهود التسوية السياسية لازمة دارفور، أو خلق مناخ من عدم الاستقرار في البلاد، يهدد مستقبل جهود إحلال السلام في دارفور، أو مسيرة السلام للجنوب، أو أي أعمال من شأنها الإضرار بالأوضاع الأمنية على الأرض. وكذلك دعوة الأطراف الإقليمية والدولية إلى المساهمة في توفير الدعم المناسب، والمناخ الملائم، لمسار التسوية السياسية بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في دارفور، وتجنب كل ما من شأنه إعاقة مسار السلم الأهلي الشامل في السودان؛ ومواصلة الجهود المشتركة بين جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز، لمواجهة الآثار المترتبة على هذا القرار لدى مجلس الأمن، بما في ذلك إرسال وفد مشترك عربي إفريقي رفيع المستوى إلى مجلس الأمن، لتأجيل الإجراءات المتخذة من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

4. دور الاتحاد الإفريقي لإنهاء الأزمة

تعد أزمة دارفور واحدة من الأزمات المهمة التي يوليها الاتحاد الإفريقي درجة كبيرة من الاهتمام. وفي هذا الصدد، يبذل الاتحاد جهوداً ومساع جادة ليحول دون إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني. وقد ناشد في هذا الصدد مجلس الأمن ليستخدم المادة 16 من اتفاقية روما الخاصة بمحكمة الجنايات الدولية التي تخوله وقف مذكرة الاعتقال في حال صدورها.

ومن ناحية أخرى، طلب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي من مجلس الأمن الدولي، تعليق الإجراءات التي شرع فيها مدعي المحكمة الجنائية الدولية "لويس مورينو أوكامبو"، وتستهدف استصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني "عمر حسن البشير" بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" في إقليم دارفور. وفي بيان صدر عن المجلس عقب اجتماع وزاري طارئ للدول الأعضاء في أديس أبابا، في 22 يوليه 2008، دعا وزراء الخارجية إلى "الأخذ في الاعتبار بضرورة ضمان عدم المساس بجهود السلام المبذولة حالياً، وأيضاً حقيقة أنه في ضوء الظروف الراهنة فإن أي مقاضاة ربما لا تكون في مصلحة الضحايا والعدالة". كما دعا البيان إلى تشكيل لجنة من الشخصيات الإفريقية المرموقة، لوضع توصيات بشأن كيفية معالجة القضايا المتعلقة بالمحاسبة والمصالحة الخاصة بالصراع في دارفور، وذلك خلال شهر من اليوم. وحث الوزراء الأفارقة الحكومة السودانية على اتخاذ إجراءات فورية، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور.

ولم يكشف البيان فترة تأجيل الإجراءات المطلوبة؛ لكن طبقا للمادة 16 من النظام الداخلي لمعاهدة روما، التي أنشئت على أساسها المحكمة الجنائية الدولية، "لا يمكن إجراء أي تحقيق أو ملاحقة خلال الأشهر الـ12 التي تلي موعد قيام مجلس الأمن بتقديم طلب إلى المحكمة بهذا الشأن".

5. منظمة مراقبة حقوق الإنسان

أشارت منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch)، في 14 يوليه 2008 إلى أن طلب المدعى العام بالمحكمة الجنائية الدولية بإصدار أمر اعتقال بحق رئيس السودان، يُعد خطوة مهمة نحو القضاء على الإفلات من العقاب على الجرائم المروعة المُرتكبة في دارفور. وأشار "ريتشارد ديكر"، مدير برنامج العدل الدولي في تلك المنظمة إلى أن: "اتهام الرئيس البشير في الجرائم المروعة التي وقعت في دارفور، يُظهر أن لا أحد فوق القانون". وأن: "من مسؤوليات المدعي العام أن يتابع الأدلة إلى حيث تقوده، بغض النظر عن مكانة المسؤول المتورط. وسوف تراجع الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية المعلومات المذكورة في بيان المدعي، لتحديد ما إذا كانت ستُصدر الأمر أم لا. وإذا قضت الدائرة التمهيدية بأن ثمة "أسس معقولة للاعتقاد" بأن البشير ارتكب جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وأن الاعتقال ضروري لمثوله أمام العدالة، فسوف تُصدر الأمر.

ومنذ عام 2003، والقوات الحكومية السودانية، متهمة بأنها مدعومة بميليشيات موالية للحكومة تُعرف باسم "الجنجويد" ترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب على نطاق موسع، كجزء من عمليات مكافحة التمرد في دارفور. كما تتهم بأنها وجهت القوات والميليشيات للهجوم ضد السكان المدنيين من البر والجو، ونفذت عمليات إعدام كثيرة خارج نطاق القضاء، واغتصاب وتعذيب ونهب للممتلكات. وقد تضمن هذه الاتهامات تقرير صدر، في ديسمبر 2005، بعنوان "تعزيز حالة الإفلات من العقاب: مسؤولية الحكومة السودانية عن الجرائم الدولية في دارفور" .

وقد دعت منظمة مراقبة حقوق الإنسان إلى إجراء تحقيقات مع كبار المسؤولين بالحكومة السودانية، ومنهم البشير، حول الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وحتى الآن لم يمثل أمام العدالة في السودان أي من كبار المسؤولين، جراء ارتكاب هذه الجرائم المروعة. والحكومة السودانية متهمة بأنها لم تبدِ أي استعداد لوضع حد للهجمات المتعمدة على المدنيين في دارفور، وأن هذه الجرائم المستمرة حتى الآن. وأشار ريتشارد ديكر أن: "طلب إصدار الأمر بحق الرئيس البشير هو خطوة إيجابية، نحو وضع حد لأجواء الإفلات الكامل من العقاب والمستمر في السودان". وأضاف: "ولا يقلل الأمر على أي نحو من التزامات الحكومة الخاصة بضمان حماية المدنيين وفرض العدالة، جراء الإساءات المُرتكبة في دارفور. وقد دعت منظمة مراقبة حقوق الإنسان السودان إلى الالتزام باتفاقها بنشر قوة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة المختلطة في دارفور، كما هو مذكور في قرار مجلس الأمن الرقم 1769. وبموجب القانون الإنساني الدولي، فإن السودان مُلزم، أيضاً، بضمان وصول المساعدات الإنسانية بالكامل، وعلى نحو آمن ودون إعاقة، إلى من يحتاجون المساعدات في دارفور، خاصة النازحون واللاجئون.

وفي 31 مارس 2005، أحال مجلس الأمن الوضع في دارفور إلى ادعاء المحكمة الجنائية الدولية. وفي أبريل 2007، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أول أوامر الاعتقال بحق وزير الدولة للشؤون الإنسانية "أحمد هارون"، ومن يُظن بأنه زعيم الجنجويد، "علي كُشيب"، جراء الدور القيادي لكل منهما في جرائم وقعت غربي دارفور. ورفضت الحكومة السودانية تسليم أول مشتبهين. وفي 16 يونيه 2008 طالب مجلس الأمن بالإجماع السودان بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. وفي تقرير المدعي "مورينو أوكامبو" إلى مجلس الأمن، في يونيه 2008، أعلن أنه توصل إلى أدلة لـ "خطة إجرامية تستند إلى تحرك جهاز الحكومة بالكامل، بما في ذلك القوات المسلحة والمخابرات والجهات الدبلوماسية والخاصة بالعلاقات العامة ونظام العدالة.

وتعود إحالة مجلس الأمن الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلى ما خلصت إليه لجنة تقصي الحقائق الدولية التابعة للأمم المتحدة عن دارفور، وهذا في التقرير الذي رفعته اللجنة إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة. وخلص التقرير إلى أن حكومة السودان وميليشيات الجنجويد الموالية لها، مسؤولة عن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، لما يرقى إلى جرائم بموجب القانون الدولي، وأوصى بإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأعدت اللجنة قائمة تضم 51 مشتبهاً يجب إجراء تحقيقات إضافية معهم، ومنهم مجموعة من كبار المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين. وسُلمت القائمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، مصحوبة بتوصية باطلاع الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية عليها. وأضاف ريتشارد ديكر: "من المعروف أن القادة الكبار في الخرطوم متواطئون في الدمار الذي لحق بدارفور؛ لكن من الجدير بالذكر أن طلب توجيه اتهامات جنائية قد تم توجيهه إلى قمة الهرم".

6. دور الاتحاد الأوروبي من الأزمة

يرى "إيان آليف"، سفير بريطانيا في السودان، بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي، أن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية يمثل نقطة تحول في مجال تنمية العدالة الدولية، إذ تكرس لمبدأ المسؤولية الفردية في جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وقد كان الاتحاد الأوروبي، ولا زال، مؤيداً صلباً للمحكمة الجنائية الدولية. ويرى أن محكمة جنائية دولية قوية، ذات عضوية واختصاص عالميين، تستطيع الإسهام في وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب، في أغلب هذه الجرائم البغيضة . ومنذ أن صارت المحكمة الجنائية الدولية واقعاً، تلقت العديد من الإحالات، وهي تحقق رسميا في ثلاث حالات، إحداها، بالطبع، دارفور، وحالة أخرى تتعلق بجيش الرب للمقاومة. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، أوضحت أحداث مروعة لمَ لا يمكن السماح باستمرار مناخ الإفلات من العقاب في دارفور، أو على حدود الولاية الاستوائية وشمال أوغندا، وأنه يجب تقديم المسؤولين للمحاكمة، وأن الاتحاد الأوروبي يعتقد أنه ينبغي أن تصبح المحكمة الجنائية الدولية عالمية بالفعل كي تعمل بأعلى كفاءة لها، إذ سيمنح ذلك المحكمة أوسع ولاية قضائية ممكنة، ويعزز شرعيتها كمؤسسة متعددة الأطراف. ولهذا الغرض تتعهد الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بالتشجيع على أوسع مشاركة ممكنة في نظام روما الأساسي. ولذا، يأمل الاتحاد الأوروبي في أن يشهد زيادة كبيرة في مشاركة دول المنطقة، لأنه في صميم مسؤوليته أن يسعى إلى إرساء نظام قضائي دولي راسخ، ينظر في قضايا الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وإلى تعزيز حقوق الإنسان والقانون الدولي المعني بها. وقد اعتمد الاتحاد الأوروبي، في يونيه 2003، موقفاً موحداً لدعم المحكمة الجنائية الدولية، وصاغ خطة عمل جددت، في فبراير 2004. وتقدم الخطة مختصراً للخطوات العملية، التي ينبغي أن يتخذها الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، لدعم المحكمة. ويذكر منها:

أ. إنشاء فريق عمل للاتحاد الأوروبي يجتمع بانتظام ،لتنسيق نشاطات الاتحاد لدعم المحكمة.

ب. يقدم الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأعضاء دعماً مادياً لاحتياجات التدريب في المحكمة، وخاصة للمتدربين الذين يأتون من مجموعة مختلفة من البلاد.

ج. يشرع الاتحاد الأوروبي في حملة تعبئة واسعة المدى لتشجيع الدول الأطراف، على وضع التشريعات اللازمة للوفاء بالتزاماتها، بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. كما يقوم بتعبئة الدول غير الموقعة على النظام الأساسي لصالح المصادقة عليه، من أجل إتاحة مدى أوسع للولاية القضائية للمحكمة.  كما يعمل أيضاً على التعبئة في الدول التي تنظر في إمكانية توقيع اتفاقيات الحصانة الثنائية ،التي قد تقوض التزامات الدول الأطراف بمقتضى نظام روما.

د. تقدم الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي الدعم المادي والمعنوي بانتظام، لورش العمل والدورات التعليمية والندوات والمؤتمرات، التي تهدف لتعزيز تطبيق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على مستوى العالم.

هـ. تفاوض الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية تعاون مع المحكمة، ستسمح له بالتشارك في المعلومات وتوسيع مدى الدعم العملي للمحكمة، أثناء قيامها بالتحقيقات الميدانية.

ومن ثم، فإن الاتحاد الأوروبي على قناعة بأن المحكمة الجنائية الدولية ستجعل من العالم مكانا أكثر أماناً وإنصافاً وسلاماً. ومن وجهة نظر الاتحاد، أيضاً، أن المحكمة الجنائية الدولية، من خلال وجودها، ستحول دون ارتكاب الأفراد لأكثر الجرائم بشاعة، كما ستعزز سيادة القانون بوضعها حداً للإفلات من العقاب.

ثانياً: موقف الدول الفاعلة من الأزمة

1. الموقف الأمريكي من الأزمة

تمثل قضية السودان، حول الوضع في دارفور، أحدث مثال يعكس موقف الولايات المتحدة الأمريكية إزاء المحكمة الجنائية الدولية. فعلى الرغم من معارضتها للمحكمة الجنائية الدولية، امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت، بدلاً عن استخدام حق النقض، الفيتو، فيما يتعلق بقرار مجلس الأمن بإحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، في مارس 2009. وعلى الرغم من ذلك، أرسلت الولايات المتحدة مؤشرات متضاربة حول دعمها، أو عدم دعمها، لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية. فقد صرح نائب مندوب الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة أن تشريع الولايات المتحدة الأمريكية يمنعها من دعم ومساندة المحكمة الجنائية الدولية. ومن ثم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية في حال استمرارها على النهج نفسه، فإنها قد تصبح ملاذاً لكل المشتبه في ارتكابهم لجرائم حرب والمطلوبين بالمحكمة.

2. موقف بريطانيا وفرنسا من التعامل مع الأزمة

بصفة عامة، تضغط مجموعة دول الاتحاد الأوروبي على المستويين الفردي والجماعي، وبصفة خاصة بريطانيا وفرنسا، على الحكومة السودانية لدفعها إلى اتخاذ إجراءات تشجع مجلس الأمن على التدخل لإيقاف مذكرة الاعتقال. ومن بين هذه الإجراءات، مثلاً، تسليم وزير الدولة السوداني للشؤون الإنسانية "أحمد هارون"، وزعيم ميليشيات الجنجويد "علي كشيب"، المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. وكانت المحكمة الدولية أصدرت، عام 2007، مذكرتي توقيف بحقهما.

وفيما يتعلق بموقف فرنسا تحديداً، يلاحظ أنه في أعقاب إصدار قضاة الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير، أشار الناطق الرسمي الفرنسي باسم وزارة الشؤون الخارجية والأوروبية، أن ذلك بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في دارفور. وهذا الأمر يجعل الرئيس "عمر البشير" هو المسؤول السوداني الثالث، الذي تصدر في حقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، بعد "أحمد هارون" و"علي كشيب". وبناءً على ذلك، تذكّر فرنسا بدعمها للقضاء الجنائي الدولي، وتطلب بإلحاح من السودان التعاون التام مع المحكمة الجنائية الدولية، من أجل تنفيذ القرارات الصادرة من قبل القضاة، وذلك طبقًا لما هي ملزمة به بموجب القرار 1593، الصادر عن مجلس الأمن. ويؤكد فرنسا أن مكافحة الإفلات من العقاب لا تنفصل عن البحث عن السلام في دارفور، كما في أي مكان في العالم، وأن فرنسا عازمة على مواصلة جهودها من أجل إيجاد تسوية سياسية. وهي تدعم المفاوضات التي افتتحت في الدوحة، في 10 فبراير 2009، وتساند وسيط الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة "جبريل باسوني"، وما تقدمه قطر من تسهيلات. وتأمل في أن تشرع الجهات الفاعلة الرئيسية، التي بإمكانها الإسهام في السلام، في طريق الحوار.

ليس هنالك حل آخر سوى الحل السياسي لأزمة دارفور؛ وفي الوقت الذي لا يزال انعدام الأمن يزيد من عدد النازحين في دارفور، فإنه لأمر أساسي أن تتواصل عمليات المساعدة الإنسانية ونشر قوات اليوناميد ـ في إطار التعهدات المبرمة بالفعل بين السودان والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وفي إطار احترام قرارات مجلس الأمن. ومن جانب آخر، تشير فرنسا إلى أن استمرار عملية التطبيع الإقليمي في إطار اتفاق داكار، المبرم بين تشاد والسودان، تعد أحد الشروط اللازمة لتسوية الأزمة في دارفور. وبعد أربعة أعوام من التوقيع عليه، فإن اتفاق السلام الشامل، الذي وضع حدًا للحرب بين شمالي وجنوبي السودان، يشكل خارطة الطريق للمستقبل والسلام والاستقرار في السودان. وينبغي أن يظل تنفيذه كأولوية إستراتيجية لشركاء اتفاق السلام الشامل، بمساندة المجتمع الدولي.

3. الموقف الروسي من الأزمة

من جهة أخرى أشار" ميخائيل مارغيلوف"، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الإتحاد الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي مدفيديف إلى السودان، في حديث لقناة "روسيا اليوم": "بأن موسكو ستقوم ببحث قضية وتداعيات مذكرة توقيف البشير مع شركائها في مجلس الأمن"، موضحاً، أيضاً، إمكانية التوصل إلى قرار بتأجيل تنفيذ المذكرة لمدة عام واحد. وأضاف مارغيلوف: " في قرار المحكمة الجنائية الدولية خطأ كبير، وهو أنه غير قابل للتطبيق؛ فمن الصعب أن نتصور أن ترسل منظمة الأمم المتحدة هيئة لإلقاء القبض على رئيس دولة في سدة الحكم، ويؤدي عمله في العاصمة الخرطوم، أو أي مدينة أخرى. والسؤال، على أي حال، سيكون حول سمعة المحكمة الجنائية الدولية عندما تتخذ قرارات غير قابلة للتنفيذ، وسمعة الدول التي وقعت على إنشائها. ولإنقاذ هذه السمعة علينا ألا نضع أنفسنا أمام خيار العدالة أو السلام. بالتأكيد تحقيق العدالة شيء مهم، لكن العدالة هنا أن يحل السلام في السودان.

ومن هنا نستنتج أن المخرج الوحيد الذي يرضي الجميع هو اللجوء إلى المادة 16 من قانون اتفاقية روما، والتي تسمح بتجميد القرار لعام واحد. وخلال هذا العام ستجري الانتخابات الرئاسية السودانية لعام2009، وسيجري التحضير للاستفتاء العام سنة 2011 بشأن مصير الجنوب، ما يثير أسئلة كثيرة، أهمها أن قرار الجنائية الدولية كان منقوصاً، لأن الانتهاكات التي اتهمت بها حكومة الخرطوم،ارتكبت كُلياً من قبل الطرف الآخر، أي المتمردين في دارفور، الذين قاموا بأعمال كثيرة ضد الإنسانية بغفلة عن قياداتهم، أو بأوامر مباشرة منهما، وهذه الأعمال موثقة لدى المحكمة الدولية ولدى الأمم المتحدة. تحقيق العدالة لا يكون بشكل انتقائي، فإذا أردت أن تقاضي، فضع جميع الأطراف المتورطة في قفص الاتهام.

4. الموقف الصيني من الأزمة

ظل الموقف الصيني يميل إلى الحياد التام، فهي لم تنهج نهجا مغايراً للنهج الأمريكي ـ الأوروبي، على الرغم من مصالحها الكبيرة في السودان وعلاقاتها المتميزة معه، وفي ذات الوقت لم تقوَ على استخدام الفيتو في مجلس الأمن فيما يتعلق بالقرارات الكثيرة التي اتخذت بحق السودان، وخصوصا أنها كانت تصدر وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وكان أقصى ما يمكن اتخاذه داخل المجلس هو الامتناع عن التصويت.

5. دور مصر لإنهاء الأزمة

أعربت مصر فور إصدار المحكمة الجنائية الدولية، في 4 مارس 2009، لمذكرة الاعتقال، عن انزعاجها الشديد لقرار توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، نظرًا لتداعياته السلبية المحتملة على استقرار الأوضاع في السودان‏،‏ وعلى مستقبل تنفيذ اتفاق السلام الشامل‏،‏ وجهود تفعيل العملية السياسية في دارفور‏. وطالبت مصر مجلس الأمن بتحمل مسؤوليته تجاه حفظ السلم والاستقرار في السودان، في هذه المرحلة الحرجة والمهمة من تاريخه السياسي‏.‏ وعُقد اجتماع عاجل وطارئ لإجراء نقاش بناء، بعيداً عن المزايدات‏،‏ يستهدف التعامل الشامل مع التحديات القائمة في السودان‏،‏ واتخاذ قرار يطلب تفعيل المادة ‏16‏ من النظام الأساسي للمحكمة، لتأجيل تنفيذ قرار التوقيف‏.‏. مؤكدة مصر أن التسوية السياسية الشاملة والعادلة لأزمة دارفور هي الضمان الوحيد لتحقيق العدالة علي الأمد الطويل‏. من جهته جدد وزير الخارجية دعوة مصر إلي عقد مؤتمر دولي رفيع المستوى، تحت رعاية سكرتير عام الأمم المتحدة، للاتفاق على رؤية شاملة ومتكاملة للتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجه السودان‏،‏ وعلى رأسها أزمة دارفور‏،‏ وبهدف الحفاظ على استقرار السودان وسلامة شعبه‏،‏ ومساعدته على جني استحقاقات السلام‏.‏

على جانب آخر، تواصلت التحركات على الصعيدين الرسمي والشعبي في مصر، تنديداً بقرار اعتقال البشير. ونظم اتحاد عمال مصر مؤتمراً اعتبر فيه اتهامات المحكمة بداية لتحرك يستهدف العالم العربي، وليس السودان وحده. وكانت القاهرة قد دعت مجلس الأمن الدولي للانعقاد للبحث في مقترح تأجيل تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية، بحق الرئيس السوداني.

6. موقف الحكومة السودانية من الأزمة

وصف الرئيس السوداني عمر البشير بالخرطوم، في 26 فبراير 2009، تحرك المحكمة الجنائية للنظر في مذكرة توقيفه بأنها محاولة لإعادة استعمار السودان"، مشيرا إلى أن بلاده ستتصدى بحزم لأي محاولة من هذا النوع. وقال البشير في كلمة له، أمام المؤتمر العام لحزب الأمة السوداني المعارض، إن "أي محاولة لإعادة استعمار السودان من قبل أي منظمة كانت ستجد مواجهة قوية"، في 4 مارس 2009. وأضاف "في ذات الوقت فإن أي قرار ظالم بحق السودان لن يجد منا إلا التسفيه، وسنواجهه بمزيد من الإصلاحات ومشروعات التنمية". وقد دعا البشير القوى السياسية السودانية إلى التوحد وتمتين الجبهة الداخلية، لمواجهة التحديات القائمة حالياً، وأبرزها تداعيات أزمة المحكمة الجنائية. وأكد عزم حكومته على إتاحة الحريات السياسية، وترشيد الممارسة السياسية، وحث الأحزاب السودانية على الانتظام في مؤتمرات قاعدية، استعداداً للانتخابات التي تعهد بإقامتها في موعدها المحدد. وقد كان من المفترض أن تجرى انتخابات عامة في السودان، في الفترة الممتدة من مايو إلى سبتمبر عام 2009، بموجب اتفاق السلام الشامل بين شمال السودان وجنوبه (تأجل إجراء الانتخابات إلى 2010). وشدد البشير على أن الحكومة السودانية لن توقف محاولاتها الجادة لإحلال السلام في إقليم دارفور بغربي السودان، وتنفيذ كل بنود اتفاق السلام الشامل، معتبرا اتفاق الدوحة لحسن النوايا بين الحكومة وحركة العدل والمساواة المتمردة بدارفور مدخلاً مهما لإحداث اختراق ايجابي من أجل التسوية السياسية لأزمة دارفور. وشن البشير هجوماً عنيفاً على بعض الدول الغربية، قائلا "إنها لا تريد السلام في السودان"، مستشهدا بتقاعس المجتمع الدولي عن دعم اتفاق أبوجا لسلام دارفور الموقع، في مايو 2006". وأضاف "أن الدول الغربية التي كانت شاهدة على الاتفاق التزمت بمعاقبة الحركات الرافضة للاتفاقية، ولكنها وبدلا عن ذلك سعت إلى معاقبة الحكومة".

من جانب آخر، ترفض الحكومة السودانية الخضوع لإجراءات محكمة الجنايات الدولية؛ لأنها لم توقع على بروتوكول روما الخاص بإنشاء هذه المحكمة. إلا أن محكمة الجنايات الدولية لا تبدو معنية بحجج السودان حول عدم اختصاصها بملاحقة مواطنيه،فها هي تستعد لإصدار مذكرة اعتقال بحق ممثل أعلى سلطاته السيادية، أي الرئيس.

وكان "جون هولمز"، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، قد أعلن أن السودان سمح بعودة منظمات الإغاثة التي طردت من إقليم دارفور، في مارس 2009. كما أوضح المسؤول الأممي أن أربع منظمات من أصل المنظمات الـ 13، أنجزت الإجراءات الأولية للتسجيل في الخرطوم. وكانت مصادر هيئة الأمم المتحدة قد أفادت بأن الخرطوم سمحت لأربع منظمات إغاثة، كانت قد طردت من دارفور، بالعودة إلى الإقليم تحت أسماء وشعارات جديدة. وصرح "جون هولمز" موضحاً:" لقد أكد ممثلو الحكومة بوضوح، بما في ذلك خلال الزيارة التي قمت بها، أن مساعدات وكالات الإغاثة الدولية والمنظمات غير الحكومية هي موضع ترحيب وتقدير.. قالوا علناً وبشكل شخصي إنه سيتم الترحيب، ليس فقط بالمنظمات غير الحكومية السابقة، ولكن، أيضاً، بالمنظمات غير الحكومية الجديدة، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، التي تسجل بأسماء وشعارات جديدة." ولم يوضح المسؤول الأممي في جلسة مفتوحة لمجلس الأمن ناقشت الأزمة السودانية، متى سيتسنى لهذه المنظمات استئناف العمل؛ لكنه قال إن الخرطوم التي طردت منظمات الإغاثة دون مبرر، حسب تعبيره، أحرزت تقدما في تعاونها مع هيئة الأمم المتحدة بخصوص حرية وصول منظمات الإغاثة الدولية والأمن إلى دارفور، وأضاف:" أعتقد أننا أحرزنا بعض التقدم المفيد، منذ 4 مارس، في التأكد من أن الثغرات الخطيرة التي نشأت، قد تم سدها جزئياً على الأقل، وأعتقد أننا تمكنا في الوقت الحاضر، كحد أدنى، من تجنب كارثة إنسانية أخرى".

كان الرئيس السوداني "عمر حسن البشير" قد أمر، في شهر مارس 2009، 13 منظمة أجنبية بمغادرة البلاد، واتهمها بالتجسس لصالح محكمة الجنايات الدولية، التي أصدرت بحقه مذكرة اعتقال على خلفية اتهامه بما أسمته جرائم حرب في دارفور. وتعد عمليات الإغاثة الدولية في دارفور من أكبر عمليات الإغاثة في العالم. وقد حصدت صراعات الأعوام الستة الأخيرة في هذه المنطقة من العالم، أرواح ما يقارب 300 ألف فرد، وشردت أكثر من مليونين ونصف مليون شخص، وذلك حسب مصادر الأمم المتحدة، في حين تقلل الخرطوم من حجم هذه الأرقام وتقول إن حصيلة القتلى لا تتجاوز 10 ألاف شخص.

ثالثاً: رؤية مستقبلية حول الأوضاع الراهنة في دارفور

ما من شك في أن ما يعرقل، فعلاً، عملية تسوية فعالة لأزمة دارفور، وهي عرقلة متعددة الأشكال وظلت مستمرة منذ خمس سنوات، ليس فقط عدم توحد الموقف التفاوضي للفصائل الدارفورية بل كثرة المبادرات والتحركات الخارجية لأطراف أجندتها ومصالحها بالضرورة متضاربة. صحيح، أن كل هذه المبادرات تأتي تحت لافتة مساعدة السودان لإنهاء هذه المحنة، ولكن التجربة تثبت أن المسألة لم تكن أصلاً إيجاد حل لأزمة دارفور، بل اتخاذها ذريعة لإدارة صراع إرادات بين هذه الأطراف للتأثير على مستقبل الوضع في السودان كله، وليس فقط في دارفور. ويلاحظ أن اتفاقية السلام الشامل حاولت عبر تسوية نيفاشا تشكيل ورسم خريطة جديدة للسودان، لم تكن مرضية لأطراف كثيرة على الرغم من الترحيب المعلن الذي حظيت به من الجميع، لا لشيء سوى أن تلك التسوية تمت برعاية ومباركة أمريكية، وليس هناك دائما من هو مستعد لإغضاب واشنطن؛ ولذلك فإن أزمة دارفور أتاحت فرصة لتأكيد أن تسوية نيفاشا لم تضع السطر الأخير في تحديد مستقبل السودان، وأن المجال مفتوح لاستدراك استحقاقاتها.

من ناحية أخرى، فبعد أن أحال مجلس الأمن قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، استناداً لنص المادة 13من النظام الأساسي للمحكمة, وبدأ المدعي العام بإجراءات التحقيق، على الرغم من حملات التعاطف الرسمي مع الرئيس السوداني, والذي عبر عنه وفد جامعة الدول العربية، وبالرغم من محاولات رأب الصدع بين الأطراف السودانية، وكان آخرها مؤتمر المصالحة، الذي تبنى مذكرة تفاهم بين الحكومة السودانية وحزب العدالة والمساواة برعاية قطرية, إلا أن المدعي العام "أوكامبو" يؤكد، من حين لآخر، عن احتمال إصدار المحكمة مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير. وهذا يعني أن السودان سيكون أمامه عدة خيارات، ومنها:

1. فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، يمكن الإشارة إلى السيناريوهات المستقبلية التالية

أ. وقف مجلس الأمن النظر في قضية دارفور لمدة عام

وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإنه من سلطات مجلس الأمن وقف النظر في قضية دارفور لمدة عام، وإن كان هذا الخيار يتطلب حشداً دبلوماسياً عربياً/ وإفريقياً مشتركاً، تتولاه كل من الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي, لأجل إقناع مجلس الأمن بإصدار قرار بوقف متابعة إجراءات المحاكمة بحق البشير، وفقاً للمادة 16 من نظام المحكمة الجنائية الدولية.

ب. رفض مجلس الأمن لأية مناشدات أو مطالبات بتجميد تنفيذ القرار

ثمة احتمال بأن لا يتراجع مجلس الأمن عن توجهاته وسياساته وقراراته، ذات الصلة بالمحكمة الجنائية الدولية، بل وهناك إمكانية لتوظيف الوضع الراهن، نحو اتخاذ المزيد من ممارسة الضغوط، وفرض مزيد من العقوبات (على نمط السيناريو العراقي)، وإن كان هذا السيناريو لا تساعد الظروف والمتغيرات والمستجدات الدولية على إعادة إنتاجه في السودان، خصوصا في ظل إخفاقات التحالف الدولي، في كل من العراق وأفغانستان وحتى الصومال.

ج. رفض النظام الحاكم تنفيذ مذكرة التوقيف، وتبني خيار المواجهة

قد يعمد الرئيس السوداني والحكومة إلى رفض تنفيذ المذكرة لأسباب عديدة، منها أن المحكمة غير مختصة في النظر بقضية دارفور كون السودان ليس من الدول الأعضاء في المحكمة, (علما أن التدقيق في نص المادة 19 يشير إلى أن تحديد الاختصاص يعود بالمطلق للمحكمة), أو لسبب أن القضاء السوداني قد سبق وان نظر بالجرائم التي ارتكبت في دارفور، ومن ثم لا يحق للمحكمة الجنائية الدولية النظر بالقضية استنادا إلى المادة 17من نظام المحكمة الجنائية الدولية, ولكن المحكمة إذا لم تكن على قناعة بذلك، أو كانت مسيسة، فإنها ستدعي أن القضاء السوداني لم يكن نزيها عند مقاضاة المتهمين بجرائم دارفور، وفقاً لنص المادة 19؛ ولكن المبدأ القانوني هو أن المحكمة لا تأخذ بالدفوع المثارة خارج المحكمة, لهذا فإن هذه الحجج لن تؤثر على سير المحاكمة, خاصة وأن القضية أحيلت بقرار من مجلس الأمن، تحت البند السابع الذي يجيز لمجلس الأمن استخدام القوة المشار إليها في المادة 41 و42 من ميثاق الأمم المتحدة. وهنا يصبح السودان في مواجهة مع ما يسمى بالمجتمع الدولي.

وربما تلجأ الحكومة السودانية إلى ذلك إذا فشلت كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية، لتأجيل صدور قرار بشأن الرئيس البشير، حيث ستعمد الخرطوم إلى رفض تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية. وتراهن الحكومة في ذلك على الرأي العام العالمي المتعاطف مع مشكلة دارفور، حيث تسعى إلى تأكيد أن هذا القرار هو أحد الأسباب، التي تمنع وضع حد للكارثة الإنسانية هناك. كما أنها قد تتخذ إجراءات بطرد المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في دارفور، وهي أكثر من 80 منظمة (وهو ما حدث بالفعل للعديد من تلك المنظمات)، إضافة إلى احتمال استهداف 27 ألف جندي يمثلون القوات الدولية، الموجودة حاليا بدارفور، أو على الأقل تخلي الحكومة السودانية عن التزاماتها حيالها، والتي يجيز وضعهم القانوني تنفيذ قرار المحكمة باعتقال الرئيس السوداني، كما فعل نظراؤهم مع الرئيس الليبيري السابق "تشارلز تايلور"، الذي لم يشفع له تنحيه عن الحكم في إطار اتفاق لإنهاء حرب أهلية استمرت 14 عاماً في ليبريا من الاعتقال من منفاه الاختياري بنيجيريا، وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.

ويضعف صمود هذا الخيار على المدى الطويل، حالة التنازع والتشاكس بين الشركاء في الحكومة السودانية؛ فالحركة الشعبية ـ التي تبلغ حصتها في الحكومة والبرلمان الاتحادي 28% إضافة إلى الانفراد بحكم الجنوب ـ ليست من مصلحتها الدخول في مواجهات مع المجتمع الدولي، يفقدها كل الميزات السياسية والاقتصادية، مثل عائدات نفطية تبلغ مليار دولار سنوياً، بموجب اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب عام 2005. ويحاول الرئيس السوداني في هذا السياق ضمان دعم شركاء الجنوب له، حيث زار، في آخر شهر فبراير 2009، مدينة جوبا عاصمة الإقليم، في محاولة لإقناع سلفا كير بالوقوف إلى جانبه؛ لكن النتيجة لا تبدو مشجعة.

ويرى بعض المراقبين أن الحركة الشعبية مع متانة علاقاتها الدولية، لاسيما مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، فإنها لا تستطيع أن تقدم الكثير للمؤتمر الوطني، غير إمكانية الدفع باتجاه تأجيل استصدار القرار لمدة عام، وفق المادة 16 من ميثاق الأمم المتحدة؛ لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن الحركة تدرك جيدا خطورة أي قرار يمكن أن يصدر بحق البشير، لأن ذلك قد يؤدي إلى انهيار اتفاقية نيفاشا، وهذا يعني انزلاق السودان إلى نوع ما من "الصوملة والأفغنة"، بالنظر إلى كمية السلاح المتوافرة لدى جميع الأطراف، في الشمال والغرب والجنوب. ومن جهة أخرى، فإن الحركات المسلحة في دارفور وفي شرق السودان، التي شاركت في الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم بموجب اتفاقيات ثنائية، لن تحاول معاداة الغرب حفاظاً على مكتسباتها الجغرافية والسياسية. وقد تضطر الحكومة السودانية، في حالة انتهاجها المواجهة خياراً سياسياً أن تعلن حالة الطوارئ وتعطل العمل بالدستور، وهو ما ظلت الحكومة السودانية تنفي لجوءها إليه في فترة سابقة. وفي المقابل، تعالت أصوات في المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، بمواجهة الموقف الحكومي بالتدخل المباشر في السودان عن طريق فرض عقوبات دولية خانقة، وصولا إلى مواجهة عسكرية مفتوحة.

لكن في ظل تعقيدات الشراكة السياسية التي تتكون منها الحكومة السودانية، فإن المواجهة تحتاج بصورة دائمة إلى تجديد الشرعية، وإعادة ترتيب المشهد السياسي، بإدخال فاعلين جدد وإخراج آخرين، وهو أمر يمكن أن توفره الانتخابات لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. ويرى آخرون أن الحزب هو الأوفر حظا في الفوز بالانتخابات المزمع إجرائها، وبالفعل تشهد أروقة الحزب ونشاطاته حركة دائبة استعداداً مبكرا للانتخابات، التي حددت اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب موعدا لها في يوليه من عام 2009، (وتم تأجيلها إلى أبريل 2010). وقد يصبح المناداة بالالتزام بإجراء الانتخابات، مع السعي الدائم إلى إضعاف المعارضة السياسية والحركة الشعبية تحديدا إضافة لحركات دارفور، إحدى وسائل الضغط التي يتمتع بها المؤتمر الوطني، من أجل إبقاء الأوضاع في السودان على ما هي عليه. لكن في المقابل تدعو معظم القوى السياسية البارزة إلى تأجيل الانتخابات، ومنها الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تحكم الجنوب الآن شبه منفردة. ويبقى هذا الخيار مرتهناً بالتماسك الداخلي للمؤتمر الوطني تنظيمياً، وتوافقه مع شريكه السياسي في الحكومة المركزية؛ الحركة الشعبية. ومن جهة أخرى، يرى بعض المراقبين أن صدور قرار بتوقيف الرئيس البشير، الذي أجمع الحزب الحاكم على اختياره مرشحاً له لفترة رئاسية قادمة، يجعل هذا المخرج محفوفاً بالمخاطر للحزب الحاكم، ونتائج الحزب الكلية في الانتخابات، إذ يوفر اتهام الرئيس بهذه الجرائم فرصة مناسبة للمعارضة، تمكّنها من توجيه المعركة الانتخابية لصالحها.

د. تسليم الرئيس عمر البشير نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية

هذه الخطوة يرفضها النظام الحاكم في السودان في الوقت الراهن، ومن ثم، فلن يقدم عليها الرئيس البشير إلا بعد أن تقدم له ضمانات بمحاكمة عادلة غير مسيسة، وضمان حقوق الدفاع له أمام المحكمة. وإن تحققت تلك الضمانات فلن يكون هذا الخيار إلاّ بعد أن يدرك الرئيس السوداني أن جميع أبواب الحلول المرضية أصبحت مغلقة , وأن هذا التسليم سيجنب السودان ويلات الحصار والدمار، الذي يمكن أن يلحق بالسودان كما لحق العراق سابقاً؛ فيما لو تعنت برفض تنفيذ مذكرة التوقيف. وربما يتم في هذا الشأن أن تتبين بعض الدول الإقليمية أو الدولية الفاعلة، عملية تشجيع تسليم الرئيس عمر البشير نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية، مقابل تخفيض العقوبة، وذلك من منطلق أن القوانين ليست جامدة بل يبقى في طياتها روح الإنسانية، التي تحاول إن تخفف من جمود القوانين. ولهذا أوجدت المحكمة نظام تخفيف العقوبة وفقا للمادة 110 من نظام المحكمة الجنائية. ولذلك يمكن لعدة دول أن تشير على الرئيس السوداني بتسليم نفسه للمحكمة، مقابل أن تعمل هذه الدول بتسوية مع المحكمة كي ينال قدراً من تخفيف العقوبة، خاصة إذا جرى وفاق وطني حقيقي بين جميع القوى السودانية وفتحت صفحة طيبة كعنوان لمرحلة جديدة تحت شعار السودان سلطة وثروة لكل السودانيين.

وربما تكون المساومة، أيضاً، هي الخيار الأخير، الذي يمكن أن يلجأ إليه المؤتمر الوطني؛ حيث سيلجأ إلى تقديم بعض التنازلات الأساسية، مقابل تجميد ملاحقة الرئيس السوداني، ولكن هامش المساومات للمؤتمر الوطني والرئيس البشير يظل محدود. ويبدو أن مساحة التنازلات التي يمكن أن يقدمها الحزب الحاكم للقوى الدولية مقابل عدم إحالة البشير إلى المحكمة الدولية، محدودة. وعلى الرغم من أن المؤتمر الوطني قدم، بالفعل، تنازلات كبيرة في اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب جعلت حظه من السلطة لا يتجاوز 52%، وهي نسبة تسمح له فقط بالبقاء في السلطة، ولا تسمح له بمزيد من المناورات والتنازلات"، لذلك يرى مراقبون أن التنازل المطلوب من الحكومة السودانية والرئيس البشير بصورة أساسية، ضمن سلسلة من التنازلات الأخرى، هو الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، كشرط أساسي في تسوية مشكلات السودان.

هـ. الانقلاب من الداخل

في ظل الأوضاع التي تمر بها السودان، قد يحدث انقلاب عسكري مدعوم من القوى الخارجية، أو حتى من قوى الداخل، يطيح بالرئيس البشير. كما أنه في حالة توقيف الرئيس البشير، فإنه سيتحول إلى عبء ثقيل وضريبة باهظة التكاليف على الحزب الحاكم، ومن ثم فإن "عملية رحيله" تبقى خياراً مناسباً؛ ولكن مشكلة هذا الخيار تكمن فيمن يخلف البشير. وقد يكون هناك عدد من الأسماء، وعلى رأسها نائب الرئيس علي عثمان طه بوصفه المرشح الأوفر حظا لخلافة الرئيس. وهناك أسماء أخرى، كنافع علي نافع مستشار الرئيس والعضو البارز في حزب المؤتمر الوطني، و"صلاح عبد الله (قوش)"، رئيس جهاز الاستخبارات والأمن الوطني. ولكن تقرير نشرته شبكة الأنباء الإنسانية التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يقلل من قيمة هذا الخيار، حيث يرى بعض المحللين أن ليس لدى أي من هؤلاء الدعم الكافي، وجميعهم يعرف أنهم، أيضاً، يمكن أن يحاكموا من قبل المحكمة الجنائية الدولية لتورطهم في النزاع في دارفور. ومن ثم، فما فائدة الانقلاب أو التخلص من الرئيس إذا كان عدد من قياداته على قائمة الاتهام"؟. حيث تشمل هذه القائمة 50 آخرين، من قيادات عسكرية وسياسية في الحكومة السودانية، والحركات المتمردة في دارفور.

و. إقامة حكومة قومية بديلة

ومن جانب آخر، ثمة خيار يرى آخرون أنه يهدف إلى مساعدة الحزب الحاكم في احتواء الأزمة، بأقل تكاليف ممكنة، بما يحول دون قطع روابط القرار السياسي في تجاذب قوى الداخل والخارج. وهذا الخيار هو أن المخرج من الأزمة المتوقعة يتمثل في تشكيل حكومة قومية من كل الأحزاب السياسية، حتى يتوحد السودانيون خلف إرادة سياسية واحدة. وعندها يمكن لهذه الحكومة الجامعة أن تتعامل مع المحكمة الجنائية وفق منظور أهل السودان لحل مشكلة بلادهم في دارفور، وأن هذه الحكومة لا تعني إلغاء اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب، بل هي معالجة لأوضاع نشأت تهدد اتفاقية السلام ذاتها. وطبقا لهذا الخيار، لن يتمكن السودان من تجاوز أزمته وفقاً لهذا التصور من غير سند عربي يحمي السودان من الانهيار، ويحفظ عمق الأمن القومي العربي، في إفريقيا وعلى شواطئ البحر الأحمر.

2. فيما يتعلق بأزمة دارفور، يمكن الإشارة إلى السيناريوهات المستقبلية الآتية:

أ. استمرار أزمة دارفور وتعاظم تعقيداتها: في ظل تنامي الحركات المتمردة، وتزايد مطالبات كل منها، سواء في التمثيل كأطراف في المفاوضات، أو في المشاركة في مغانم السلطة والثروة فيما يتعلق بدارفور، فإن ذلك سيزيد من صعوبة وتعقيد إمكانية التوصل إلى تسوية حقيقية ترضي الجميع، ومن ثم فإن بقاء أي من هذه الحركات خارج نطاق التسوية، سيزيد من فرص بقاء الأزمة دون حل فعلي.

ب. فرض تسوية من الخارج: وفقا لأنموذج نيفاشا هناك إمكانية لتكرار هذا السيناريو فيما يتعلق بدارفور، وتكون الدول المرشحة لاستضافة المفاوضات تشاد أو ليبيا أو نيجيريا، وبرعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وبدعم من المملكة المتحدة وفرنسا. وربما يكون هذا السيناريو الأقرب إلى التطبيق، حيث يبقى أي سيناريو مرتبط بالقوة الملزمة لوضع أية تسوية موضع التنفيذ الفعلي، وبغض النظر عن مضامين التسوية، أو مواقف أطراف الأزمة منها، وخصوصاً الحكومة السودانية.

ج. استمرار إنتاج المبادرات الداخلية / القومية والخارجية (الإقليمية والدولية): بمعنى استمرار الإعلان عن مبادرات جديدة، أو معدلة من جانب القوى والدول والمنظمات الفاعلة المختلفة، سواء كان الهدف منها إطالة أمد الأزمة، أو منع إحداث تسوية حقيقية، طالما كان هذا الأمر يخدم أهداف ومصالح دول أو أطراف معينة.

د. تغيير النظام الحاكم في السودان: قد يكون أحد السيناريوهات المحتملة هو ما يرتبط بإمكانية تغيير النظام الحاكم في السودان، إما كنتيجة للعملية السياسية، وبالتحديد في أعقاب إجراء الانتخابات العامة المقرر إجرائها في أبريل 2010، أو حدوث انقلاب عسكري يأتي بنظام جديد ويعول على سياساته وممارساته تجاه الأزمة.