إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر السورية





إسرائيل بعد الحرب

مراحل عمليات الجيش الإسرائيلي



المبحث الرابع: نتائــــج الحرب

المبحث الرابع

نتائج الحرب

1. وسّعت إسرائيل دائرة احتلالها الأراضي العربية. فبعد أن كانت مساحتها في حدود الهدنة (1948-1949) تبـلغ 20250 كم2، امتد احتلالها إلى سيناء (61198 كم2)، والضفة الغربية (5878 كم2)، وقطاع غزة (363 كم2)، والجولان (1150 كم2). وبذلك بلغ مجموع الأراضي التي احتلتهـا إسرائيل فـي الحرب 68589 كم2، إضافة إلى ما كانت احتلته في حرب 1948. كما ازداد عمقها الإستراتيجي وهامش أمنها: (اُنظر جدول المسافات التي احتلتهـا إسرائيل فـي الحرب) و(اُنظر شكل إسرائيل بعد الحرب)

2. سيطرت إسرائيل على منابع النفط في سيناء، وعلى موارد المياه في المرتفعات السورية والضفة الغربية. وبدأت تنفيذ مشاريع الاستيطان الاستعماري في الأراضي المحتلة، واستقدام المهاجرين اليهود لتوطينهم فيها. وضمت القدس "عاصمة أبدية لها". واحتفظت بالأراضي المحتلة لديها، لتفرض الصلح على الدول العربية المحيطة بها، بالشروط التي تُحقق مصالحها وأمنها، وفي إطار أهدافها الصهيونية والتوسعية.

3. اقتربت القوات الإسرائيلية من العواصم العربية المواجهة (القاهرة ودمشق وعمّان)، ووضعت يدها على الأماكن المقدسة في القدس، وتقلصت حدودها مع الأردن من 650 كم إلى 480 كم، واستند دفاعها إلى موانع أرضية حاكمة (قناة السويس، نهر الأردن، مرتفعات الجولان).

4. هجّرت إسرائيل، خلال القتال وفي إثره مباشرة، ربع مليون فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة، ومائة ألف من أهالي الجولان، وآلافاً من بدو سيناء. واستشهد في الحرب حوالي 15 ألف جندي عربي، معظمهم من المصريين. وخسرت الجيوش العربية (مصر، سورية، الأردن) 70% من أسلحتها الثقيلة، ومنها 400 طائرة، و 500 دبابة. ولم تتجاوز خسارة إسرائيل 700 قتيل و 60 دبابة و 20 طائرة،حسب المصادر الرسمية الإسرائيلية

5. أوردت الصحف الإسرائيلية، في صيف 1995، شهادات ضباط إسرائيليين في شأن قتل أكثر من 900 جندي مصري وقعوا أسرى بيد القوات الإسرائيلية، في حرب 1967، وأن هؤلاء الأسرى قُتلوا عمداً، قتلاً جماعياً في ست مذابح، وخاصة في ممر متلا ومدينة خان يونس بقطاع غزة. وقد فتح المؤرخ الإسرائيلي "أرييـه إسحاقي"، أستاذ التاريخ في جامعة "بار إيلان" ملف هذه المذابح. واعتمدت "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان" على هذه الوثائق والشهادات الإسرائيلية، لمقاضاة إسرائيل، ومحاكمة قادتها، كمجرمي حرب، بموجب أحكام القانون الدولي الخاصة بأسرى الحرب، وبخاصة اتفاقيات جنيف الأربع الموقعة في 6/7/1951.

6. أيقظت الهزيمة الوجدان العربي، ونبّهت الرأي العام العربي إلى الخطر الذي بات يهدد العرب كلهم. ولم تستطع الحرب، على الرغم من الهزيمة العسكرية، التي حلّت بثلاث دول عربية (مصر، سورية، الأردن) أن تهزم إرادة الصمود والمقاومة العربية، التي تمثلت في عدة وقائع جرت مباشرة في إثر الهزيمة:

أ. وقف تقدم القوات الإسرائيلية نحو مدينة بور سعيد، وإقامة أول موقع دفاعي مصري شرق القناة، وذلك في إثر معركة "رأس العش"، يوم 1/7/1967.

ب. حدوث معارك جوية محدودة فوق المنطقة الجنوبية لقناة السويس، يومَي 14 و 15/7/1967، أحرزت فيها المقاتلات المصرية تفوقاً على الطائرات الإسرائيلية.

ج. إغراق المدمرة الإسرائيلية "إيلات" قرب بور سعيد، يوم 21/10/1967، بزوارق الصواريخ المصرية.

د. اشتباكات مدفعية واسعة النطاق على الجبهة المصرية طوال عام 1968، وإغارات الصاعقة المصرية على الضفة الشرقية للقناة وفي عمق سيناء وميناء إيلات.

هـ. بناء جدار الصواريخ، وحرب الاستنزاف، التي تميزت بالمعارك الجوية واشتباكات المدفعية، حتى تم وقف إطلاق النار، يوم 7/8/1970، لمدة ثلاثة أشهر بمبادرة أمريكية. وقد توفي الرئيس جمال عبدالناصر قبل انتهاء تلك المدة.

7. أثبتت الوثائق والمذكرات الصادرة في إسرائيل، أن حرب 1967 شنتها إسرائيل بإرادة وتصميم، وبعد تخطيط طويل، وتحديد واضح للأهداف السياسية والعسكرية والتوسعية، وبعد إعداد جميع الوسائل والإمكانات اللازمة لتحقيق النصر. وفي مقابل ذلك، لم يكن الجانب العربي ـ وخاصة الدول المحيطة بإسرائيل ـ على مثل هذه القدرة والكفاءة في التخطيط والإعداد والاستعداد العسكري والتدريب والقيادة.

8. سعت إسرائيل، في حرب 1967، إلى تنفيذ إستراتيجيتها الهجومية ضمن مناخ ملائم لتحقيق النجاح لخطط العمليات العسكرية وتكتيكاتها. وقد حصلت على هذا المناخ بضربتها الجوية القوية، التي كانت مفتاح الحرب، بمثل ما كانت السبب في ترجيح كفة ميزان القوى لمصلحتها ترجيحاً شديداً. فهي قد أوقعت القيادات العسكرية العربية في اضطراب وقلق شديدين، انعكسا على مواقف هذه القيادات وتصرفاتها في إدارة الحرب. ويمكننا القول، إن القوات البرية الإسرائيلية باشرت القتال ضمن إطار إستراتيجي شامل اتصف بضعف الفعل العسكري العربي المضاد، أو بانعدامه في بعض الأحيان، بسبب الشلل، الذي أحدثته الضربة الجوية، وعدم استخدام القوات الاحتياطية في المكان والزمان المناسبَيْن، وانعدام الفعل العسكري المتناسق بين الجبهات العربية الثلاث.

9. اتسمت حرب 1967 باستثمار خصائص سلاح معين، هو سلاح الجو، وبتجريد الخصم من السلاح نفسه. وهكذا رسمت الساعات الأولى، من صباح 5/6/1967، الملامح الأولى لنهاية حرب بدأت منذ ساعات، حينما أصيبت الطائرات المصرية بعطالة، بسبب تدمير مطاراتها، وشل أجهزة الرادار والتوجيه، ثم تدمير الطائرات نفسها، وهي رابضة على الأرض. وقد تكررت العملية الجوية ضد السلاحين الجويين، السوري والأردني، ولم تكن أجهزة الدفاع الجوي (المدفعية والصواريخ المضادة للطائرات) في الأقطار الثلاثة قادرة على صدّ الطائرات الإسرائيلية وردّها عن أهدافها. وهكذا كان يبدو كأننا كنا نقاتل في حرب 1967 بسلاح غير قادر على التصدي لسلاح العدو.

10. لم تكن هناك إستراتيجية عسكرية عربية موحدة،حتى إن الحد الأدنى اللازم من التنسيق بين الجيوش والجبهات العربية، كان مفقوداً. فقد قاتلت تلك الجيوش وهي منعزلة بعضها عن بعض، وكأنها تخوض ثلاث حروب منفصلة، وليس حرباً واحدة ضد عدو واحد.

11. لم توظف القيادات السياسية والعسكرية العربية وسائلها السياسية والإعلامية والعسكرية في مناورة ردع إستراتيجية ضد إسرائيل، مع تقليل هذه القيادات من قدرة إسرائيل العسكرية.

12. تمسكت القيادات العربية بالمهدئات والوعود والعوامل السياسية، لتستكين إلى المفهوم الدفاعي السكوني. وقد أسهمت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في ترسيخ ذلك المفهوم. وهو ما أفقد القرار الإستراتيجي المصري، بالتدخل العسكري لمساندة سورية وإزالة آثار حرب 1956، مقومات تطبيقه عسكرياً بنجاح. ومن ثم، فقدت الخطة الدفاعية الأصلية مقومات نجاحها المحتمل، في الوقت نفسه.

13. يمكن القول إن الإستراتيجية العسكرية العربية، ما قبل حرب 1967، كان قوامها سياسياً وإعلامياً، أكثر منه عسكرياً. ولأنها بهذا القوام ذي الصفات المذكورة، لم تستطع أن تتصدى لجوهر الإستراتيجية المعادية، ولا لمبادئها وأسُسها ومفاهيمها وأهدافها، التي كانت، كلها، تصب في مجرى واحد هو تطبيق الخطط التوسعية والإحلالية والسيطرية، التي كانت تسعى إلى تطبيقها.

14. لم تكن القيادة العربية الموحدة، بجامعة الدول العربية، تملك من أمر القوات العاملة في مسرح الحرب شيئاً، فلا هي قادرة على أن تأمر وتقود، ولا هي قادرة على أن تعدّل الخطط القطرية، حتى تستطيع مواجهة التطورات المفاجئة. ولذلك، كانت هذه القيادة غائبة عن مسرح الحرب، إذ شلّتها الخلافات البينية وعدم الثقة، الذي كان سائداً قبل الحرب.

15. كان يفترض في المفهوم الإستراتيجي العام، أن يحقق القدرة على امتصاص الضربة الأولى ـ وهذا كان هو المفهوم الإستراتيجي لقرار القيادة السياسية العليا لمصر ـ وتخفيف نتائجها إلى أدنى حد مستطاع، وحصر آثارها في أضيق نطاق ممكن، ثم الانتقال إلى الهجوم المضاد، الذي يزيل آثار الضربة الأولى، ويلحق الخسارة بالعدو، ويجعله ـ على الأقل ـ يتخلى عن أهدافه من الحرب. بيد أن هذا الافتراض لم ير النور قط.

16. عندما لاحت معالم استعداد إسرائيل لشن الحرب، لم يكن العرب يفتقرون، يوم ذاك، إلى جيوش تعمل في مسرح واحد، ولا كان ينقصهم الهدف القومي المتفق عليـه، ولا كانت تعوزهم قيادة موحدة، ومجلس للدفاع المشترك، وقيادات ثنائية وثلاثية متعددة، وإنما كان ينقصهم أن تعمل جميع هذه الأجهزة والوسائل وفق مفهوم إستراتيجي واحد، وفي إطار خطة إستراتيجية شاملة واحدة، وبإمرة قيادة عليا واحدة. وحينما قال الرئيس عبدالناصر، قبل بدء الحرب بخمسة أيام: "يقف الجيش المصري والجيش الأردني والجيش السوري والجيش اللبناني على حدود إسرائيل لنقابل التحدي، ومن ورائنا الجيش العراقي والجيش الجزائري والجيش الكويتي والجيش السوداني والأمة العربية كلها"، كانت هذه المقولة سياسية، ولم تكن عسكرية. ولم تكن هذه الجيوش الثمانية تملك خطة إستراتيجية موحدة، ولا خطط عمليات منسقة. وحينما جدّ الجدّ، لم تصل القوات العراقية إلى الجبهة الأردنية، إلاّ بعد أن حسم الجيش الإسرائيلي المعركة لمصلحته، وكانت القوات السعودية والخليجية والسودانية والليبية والجزائرية والمغربية، لا تزال في طريقها إلى الجبهات التي خبت نار القتال فيها، أو كادت تخبو.

17. حينما قررت القيادة العليا المصرية إغلاق مضيق تيران، وحشدت القوات في سيناء، لم يكن خافياً على القيادتين، السياسية والعسكرية، أن القوات المسلحة كانت تعمل بملاكات السلم المنخفضة. فقد كانت الوحدات تعاني نقصاً في ملاكاتها قدِّر بحوالي 37 بالمائة من الضباط، وحوالي 30 بالمائة من الرتب الأخرى، و 30 بالمائة في الأسلحة الخفيفة، و 24 بالمائة في المدفعية، و 45 بالمائة في دبابات التعاون، و 40 ـ 70 بالمائة في الحملة الآلية. "ومعنى ذلك أنه لم يكن هناك احتمال تصعيد في الموقف السياسي والعسكري مع إسرائيل، وهو ما تم في مايو 1967".

18. يمكن القول إن القرار السياسي بإغلاق مضيق تيران، لم يكن مبنياً على دراسة دقيقة ومعمقة لحالة القوات المسلحة وقدراتها ومدى استعدادها للقيام بحرب، تبدأ هي فيها هجوماً، أو تُفرض عليها دفاعاً. وليس لدينا ما يشير إلى أن القيادة السياسية العليا المصرية كانت على اطلاع كامل ومفصل على حالة القوات المسلحة، إذ لم يرد في ما نشر عن حرب 1967 من دراسات ومذكرات ووثائق، ما يشير إلى ذلك. إلاّ أن المؤكد أن مسند قرار إغلاق المضايق ـ أو أحد مسانده ـ كان قول المشير عامر للرئيس عبدالناصر، في اجتماع القيادة العامة في مايو 1967، إن " كل شيء على أتم استعداد" جواباً عن قول الرئيس: "إذا أقفلنا المضايق، فالحرب مؤكدة 100%". ويمكن القول إن هذا التأكيد من القائد العام، لم يكن قائماً على أساس عسكري علمي.

19. ثمة عامل آخر، كان له تأثيره القوي في مدى جاهزية القوات المصرية للقتال، ذلك هو حرب اليمن. فقد أخذت هذه الحرب تستقطب القوات المصرية، شيئاً فشيئاً، منذ أواخر عام 1962، حتى بلغت نحو 70 ألف جندي في عام 1964. وتحملت مصر في هذه الحرب أثقالاً مادية، عدا الأثقال العسكرية والسياسية. وتركت الحرب آثاراً سلبية في القوات المسلحة وتدريبها وانضباطها.

20. يمكن اختصار مفهوم حرب 1967، جوازاً، بالفرضية الآتية: إنها صراع بين الردع غير المصحوب بنيّة البدء باستعمال القوة، وبين القوة المستعملة والبادئة. وتفسير ذلك، أن تتابع الأحداث والتدابير، التي اتخذتها مصر في إثر التهديدات الإسرائيلية ضد سورية، وتعهدها بألاّ تكون البادئة بالحرب، وضعا جميع تلك الأحداث والتدابير تحت عنوان "الردع"، الذي يلوّح بالقوة ولا يستعملها. في حين لم تعلن إسرائيل تدابير تردّ فيها على الردع بردع مضاد، وإنما لجأت إلى القوة فاستعملتها، مبتدئة الحرب. وهنا، كان المنعطف، الذي غيّرت عنده الأحداث مجراها، واتجهت نحو إحلال الهزيمة بالجانب العربي.

21. كانت حرب 1967 السبب في نشوب حرب 1973، والقاعدة التي انطلقت منها تلك الحرب.