إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب الاستنزاف




لقاء سياسي معنوي
الرئيس يتابع أحد المشروعات
الرئيس يتفقد قواته بالجبهة
جمال عبدالناصر والفريق محمد فوزي
جمال عبدالناصر مع الجنود
جمال عبدالناصر مع الفريق محمد فوزي
جثمان الرئيس عبدالناصر
عبدالناصر وسط قواته
عبدالناصر يتابع إحدى المناورات
عبدالناصر يصافح جندي
عبدالناصر في إحدى القواعد الجوية
عبدالناصر في لقاء معنوي
عبدالناصر في الجبهة

أماكن عمل الغواصات المصرية
إغارات وكمائن العدو
إغراق المدمرة إيلات
إغراق سفينة الأبحاث الإسرائيلية
معركة الكرامة 21/3/1968
الأعمال الفدائية الفلسطينية
الإغارات المصرية في عمق العدو
الإغارات التي شنتها إسرائيل
الإغارة على إيلات
القتال الناجح للقوات المصرية
رحلة الحفار إلى أفريقيا
عمليات الضفادع البشرية
قتال الدوريات والكمائن لقواتنا
قتال القوات البحرية المصرية
قصف منطقتي رمانة/بالوظة




المبحث الخامس

1. مواجهة الطيران الإسرائيلي، من خلال الكمائن

كانت الكمائن فكرة جيدة بلا شك، إذا نجحت. غير أن هذا النجاح يتوقف على مجموعة من الشروط. وكان إحدى هذه العقبات، الحجم الكبير لمعدات الصواريخ سام ـ 2، التي صممت للدفاع عن المدن والأهداف الحيوية الثابتة. ومن ثم، كان المطلوب وحدات صواريخ ذاتية الحركة، حتى تكون قادرة على تنفيذ هذه المهمة. ومع ذلك اتخذ القرار بالكمائن، بعد منتصف ليلة 16 أبريل. وخلال أقل من أسبوع تم الإعداد للكمين الأول، وكان من المدهش حقاً أن ينجح الضباط وضباط الصف والجنود، في تقليل زمن تجهيز كتيبة الصواريخ للتحرك والاشتباك، إلى أقل من نصف الزمن القياسي. وكان هذا يعني أنهم استطاعوا أن يحولوا الصواريخ سام ـ 2 الثابتة، إلى صواريخ خفيفة الحركة.

وفي آخر ضوء يوم 23 أبريل، اكتمل إعداد كتيبتين لتنفيذ مهمة الكمين، وبعد فترة انتظار، لم تستمر طويلاً، ظهرت طائرة إسرائيلية شرق القناة، وأطلقت كل كتيبة صاروخاً ضدها، ودمُرت الطائرة الإسرائيلية بواسطة الصاروخ الأول، ونجح الكمين الأول.

وبعد فترة وجيزة، تم تنفيذ الكمين الثاني، ونجح في إسقاط طائرة أخرى، ثم الكمين الثالث. واستمر تنفيذ الكمائن بنجاح، وصلت نسبته إلى 72 %، ومن ثم أصبحت الطائرات الإسرائيلية أكثر حذراً، وأضحت قذائفها أقل تأثيراً.

وهكذا، نجح أسلوب الكمائن، بالفعل، في اصطياد بعض الطائرات الإسرائيلية، ولكنه، على أي حال، لم يكن بديلاً لتجميع الدفاع الجوي المتماسك، المفترض إنشاؤه على الجبهة. وكان لا بدّ من الإسراع لاتخاذ وحدات الدفاع الجوي لأوضاعها، بعد أن مدت إسرائيل غاراتها والتي بدأت منذ يناير 1970، لتشمل عمق الأراضي المصرية، من أجل شل القدرة العسكرية، وتهديد وإرباك الجبهة الداخلية[3].

2. إدخال كتائب الصواريخ في الجبهة

كانت هناك، بطبيعة الحال، مشكلة في دفع كتائب الصواريخ، لاحتلال مواقعها بالجبهة. فمثلاً، يمكن مركزة هذه الكتائب في الجبهة، في مواقع غير محصنة. كما لا يمكن إنشاء مواقع محصنة، دون حماية من كتائب الصواريخ. وكانت معادلة صعبة، ولكن مع الدراسة وُجد لها الحل المناسب، وهو مركزة وحدات الدفاع الجوي في مواقع ميدانية، على أن يتم تحصينها بعد ذلك، تحت حماية تجميع الصواريخ، وأن يتم تنفيذ الخطة على وثبات، بدلاً من القفز مرة واحدة إلى مواقع أمامية غير محصنة. ومن ثم تم إنشاء مواقع النطاق الأول شرقي القاهرة، وتم احتلالها دون أي رد فعل من جانب إسرائيل. ثم تلى ذلك إنشاء ثلاثة نطاقات جديدة، تمتد إلى منتصف المسافة، بين القاهرة والقناة. وتم ذلك خلال زمن قياسي، فخلال ليلتين فقط أُنشئت التجهيزات الميدانية لعدد 24 قاعدة صواريخ، وجهزت بوسائل الاتصال، وطرق المناورة إليها.

وعقب آخر ضوء يوم 28 يونيه 1970، بدأ تجهيز النطاق الأول من وحدات الخطة "أمل"، وهو الاسم الحركي لعملية دخول الصواريخ أرض/ جو المصرية، إلى جبهة القناة. جُهّزت الوحدات للتحرك. ونجحت وحدات الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات المصاحبة لها، في الوصول إلى مواقعها. وأخيراً بدأ التجهيز للاشتباك. وفي أول ضوء كانت جميع كتائب الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، جاهزة في مواقعها الجديدة.

لم يشعر الجانب الإسرائيلي بهذه القفزة الخطيرة، ولم يقم بأي رد فعل خلال نهار 29 يونيه. وبعد آخر ضوء من اليوم نفسه، احتلت المجموعة الثانية من الوحدات مواقعها الجديدة، شرق المجموعة الأولى.

وفي صباح 30 يونيه، كانت الصواريخ المصرية تحتل مواقع، يمكنها توفير الوقاية على مسافة 30 كم غرب القناة. ومن هذه المواقع يمكنها توفير الوقاية، للقوات البرية المتمركزة غرب القناة. وسارت خطة الخداع، جنباً إلى جنب، مع خطة احتلال المواقع، ونجحت في خداع العدو عن المكونات الحقيقية للتشكيل، وذلك بالتوسع في استخدام المعدات الهيكلية، التي كان لها الفضل في امتصاص نسبة كبيرة من الضربات الجوية في الجبهة. وفي الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم 30 يونيه، رصدت أجهزة الرادار طائرة استطلاع تحلق على ارتفاع 12 كم، وعندما دخلت في مدى النيران، أطلقت عليها إحدى كتائب صواريخ التجميع نيرانها، ولكن الطائرة استطاعت الإفلات، وعاد الطيار إلى قاعدته. وحللت القيادة الإسرائيلية الصور الجوية، التي حصلت عليها الطائرة. وبات الانتظار لتوقع رد الفعل، بعد قليل، حيث كان سيناريو الأحداث معروفاً، لدى وحدات الدفاع الجوي. فالجانب الإسرائيلي سيوجه حشداً من طائرات الفانتوم وسكاي هوك والميراج، مدعماً بجميع وسائل الإعاقة الإلكترونية الإيجابية والسلبية، وتحميه مجموعة أخرى من المقاتلات الاعتراضية، ويتم توجيه هذا الحشد لمهاجمة التجميع، من جميع الاتجاهات، وقصفه بوابل من الصواريخ والقنابل زنة 500 ـ 2000 رطل. وكان من المنتظر أن تبدأ المعركة خلال ساعة. ولكن القيادة الإسرائيلية استغرقت وقتاًِ طويلا للإعداد للعملية. وبعد مرور ستة ساعات ونصف تقريباً جاءت الطائرات الإسرائيلية، وكان عددها 24 طائرة.

3. أسبوع تساقط الفانتوم

كانت الخطة الإسرائيلية، مهاجمة تجميع الصواريخ الجديدة، في أضعف نقاطه، وهي الأطراف. وبعد القضاء عليها يتحول الهجوم إلى كتائب الوسط. ولهذا ركزت هذه الطائرات قصفها ضد الكتيبتين الشمالية والجنوبية. ولمّا كان التجميع الجديد متماسكاً ومتعاوناً، مع بعضه بالنيران، فقد اشترك أكثر من موقع في صد هذا الهجوم. ونجح قادة الألوية في توزيع الأهداف المعادية على وحدات النيران بدقة، وأداروا المعركة بمهارة. ونجحت الوحدات في إسقاط طائرتين فانتوم، وطائرتين سكاي هوك. كما أسرت ثلاثة طيارين. وانتهى الهجوم وانتهى اليوم، وكانت هذه هي المرة الأولى، التي تسقط فيها طائرة فانتوم.

وفي الساعة الحادية عشرة و48 دقيقة، قبل ظهر اليوم التالي، الأول من يوليه، دفعت إسرائيل بطائرة استطلاع، تحت غطاء من الإعاقة الإلكترونية المركزة، وفي حماية مجموعة من الطائرات المشاغلة، التي تحلق على ارتفاعات متوسطة، وتقترب من مناطق نيران وحدات الصواريخ، ولكنها لا تدخل في مداها المؤثر، وإنما تقفل عائدة .. والهدف من طائرات المشاغلة، هو جذب انتباه نيران وحدات الصواريخ، بعيداً عن طائرات الاستطلاع. ولم تشتبك وحدات الدفاع الجوي مع هذه الطائرات، بينما اشتبكت مع طائرة الاستطلاع، ولكن لم تنجح في إصابتها.

في صباح يوم 2 يوليه 1970، اقتربت الطائرات الإسرائيلية على ارتفاعات منخفضة للغاية. وعاودت مهاجمة كتيبتي الأطراف، ولم تحدث خسائر في الطرفين، وأن كانت أطقم المدفعية المضادة للطائرات، قد أبلغت عن إصابة إحدى الطائرات المعادية.

وفي الساعة الثالثة وعشر دقائق، عصر يوم 5 يوليه 1970، حاولت الطائرات الإسرائيلية مهاجمة التجميع، وأُسقطت طائرتين، إحداهما فانتوم والأخرى سكاي هوك، وأسر طياران إسرائيليان آخران.

وفي الساعة العاشرة، يوم 7 يوليه 1970، اقترب تشكيل جوي معادِ لمهاجمة كتائب الأطراف، وعلى الفور تم الاشتباك معه. وقبل أن تبدأ الطائرات في الهجوم، تم إسقاط طائرة فانتوم، وفور سقوطها فرت باقي الطائرات، في اتجاه الشرق.

ونتيجة لهذه الخسائر، التي لم يتعودها العدو في أحدث طائراته، وهما الفانتوم وسكاي هوك، وفي أكفأ طياريه، توقفت إسرائيل عن مهاجمة تجميع الصواريخ، واكتفت بتوجيه هجمات متفرقة ضد القوات البرية. وكان من الطبيعي أن تتابع وسائل الأعلام العالمية، ما يحدث في جبهة القناة. ولهذا أطلق الغرب على تلك الأيام "أسبوع تساقط الفانتوم"[4].

وخلال شهر يوليه والأيام الأولى من أغسطس، عادت إسرائيل تكرر هجماتها مرات ومرات في محاولة لتدمير هذا التجميع، مستخدمة كل ما لديها من إمكانيات، ولكن باءت جميع تلك المحاولات بالفشل الذريع. وكانت النتيجة دائماً لمصلحة الدفاع الجوي المصري. وبدأ سلاح الطيران الإسرائيلي[5].

4. تدعيم الجبهة، بوحدات صواريخ جديدة

نشطت أعمال الكمائن مرة أخرى، وخلال هذه الفترة، وحتى وقف إطلاق النيران، أعلنت مصر أن دفاعها الجوي أسقط 16 طائرة، خلال 38 يوماً. وكان هذا رقماً متواضعاً في الحقيقة. إذ لم تكن القيادة المصرية تعلن عن تدمير أي طائرة، دون العثور على حطامها.

وبدأ ميزان القوى يتحول، بالفعل، إلى جانب الدفاع الجوي المصري، وعلى الرغم من احتلال معظم الجبهة إلا أن شريطاً من القوات البرية المصرية، عرضه عشرة كيلومترات غرب القناة، كان ما زال خارج مظلة الصواريخ. وبدا لقيادة الدفاع الجوي المصري، أن الأمر أصبح حتمياً، في أن تمتد هذه المظلة إلى أقصى مدى شرقي القناة.

5. القفزة الكبرى

في ذلك الوقت كان الحديث يدور حول مبادرة روجرز، وكانت المبادرة تنص على تسكين الموقف في جبهة القناة. وقبل سريان الاتفاق بساعات قليلة، نجحت قيادة الدفاع الجوي في القفز، بتجميع الصواريخ إلى مواقع متقدمة غربي القناة، دفعة واحدة، وتدعيمها بكتائب إضافية من العمق. وامتدت مظلة الدفاع الجوي إلى مسافة 20 كم شرقي القناة، انتظاراً ليوم الهجوم المرتقب[6] وفي يوم 8 أغسطس توقف القتال، وانتهت حرب الاستنزاف، التي قال عنها عزرا وايزمان في كتابه "فوق أجنحة النسور"، "لقد كانت أول حرب تخسرها إسرائيل".

6. موقف قوات الدفاع الجوي بنهاية حرب الاستنزاف

أن نظرة سريعة على الدفاع الجوي المصري، في نهاية حرب الاستنزاف، توضح وجود تجميع دفاع جوي قوي، متعدد الأنساق، على الجبهة. يتمركز نسقه الأول على مسافة 10 كيلومتراً من القناة، وتمتد تغطيته إلى مسافة 15 ـ 20 كم، لتمتد مظلته على القوات، التي سوف تقوم بالعبور واقتحام خط بارليف، والاستيلاء على رؤوس الكباري. ويتكون هذا التجميع من الصواريخ سام ـ2، وسام ـ 3، وسام ـ 7، وأنواع متطورة من المدفعية المضادة للطائرات، وأن شبكة من المواقع المحصنة، لا تؤثر فيها أسلحة العدو قد أنشئت، وأن القوات احترفت عمليات القيام بالمناورة، وأصبحت قادرة على الانتقال من موقع إلى آخر، في أقل من نصف الأزمنة القياسية المحددة في المراجع العسكرية، كما أجادت عمليات الخداع، وتنفيذ المواقع الهيكلية، والمناورة بها، وتغيير شكل التجميع. وقد امتصت هذه المواقع نسبة كبيرة من الهجمات الحيوية المعادية.

نظمت الدفاعات على أساس التكامل المدروس، بين الأسلحة المختلفة، بحيث تغطي نقاط القوة في كل سلاح، نقاط الضعف في سلاح آخر. وقد نفذت إجراءات تكتيكية وفنية وتدريبية لمقاومة الحرب الإلكترونية المعادية، والتغلب عليها. كما وضعت أساليب مبتكرة لتضليل الصواريخ جو/أرض الذكية، المضادة للإشعاع. ونجح الدفاع الجوي المصري، خلال الشهر السابق لوقف إطلاق النار، في تدمير 16 طائرة فانتوم وسكاي هوك وميراج على الأقل، بل أعلنت إسرائيل أن سلاحها الجوي يتآكل.

وخلاصة القول أن الدفاع الجوي استفاد من حرب الاستنزاف. فلولا تلك الحرب لمّا أمكن هذا التطور الضخم الذي حدث في فترة وجيزة في قوات الدفاع الجوي. والتي برزت آثاره فيما بعد في يوم السادس من أكتوبر 1973.

وهكذا، لا نستطيع أن ننكر فضل حرب الاستنزاف، على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تحملتها قوات الدفاع الجوي، في بناء القوة الرابعة، واتخاذها لموقع الصدارة في ملحمة التضحية والفداء. فاستطاعت أن تبني نفسها على أسس قتالية صحيحة، وخبرات واسعة، تعلمتها خلال حرب الاستنزاف خلال السنوات 1968، 1969، 1970، لتصبح قوة تحد فاعلة، أمام القوات الجوية الإسرائيلية. وقد قالت جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، وفي حيرة عن الدفاع الجوي المصري: "إن كتائب الصواريخ المصرية كعش الغراب، كلما دمرنا إحداها نبتت بدلا منها" ، كما قالت في الكنيست: "إن المصريين زرعوا كل الأرض غرب القناة بالصواريخ، والله وحده الذي يعلم أين سيجد المصريون مكاناً، لزراعة أعداد أخرى منها".

ثالثاً: القوات الجوية في حرب الاستنزاف

كانت نتيجة حرب الأيام الستة أشد إيلاما على القوات الجوية المصرية، من أي أسلحة أخرى. لذلك اتجهت فور انتهاء الحرب، إلى عملية إعادة البناء واستعواض خسائرها، في الوقت الذي كان الجانب الآخر مستمراً في الاختراقات الجوية بهدف الاستطلاع، وقتل الروح المعنوية. وقد أدى ذلك إلى أن تبذل القوات الجوية قصارى جهدها فيما بين استعداد قتالي ـ بما تيسر لديها من إمكانيات للتصدي للعدو ـ علاوة على المهمة الرئيسية، في إعادة البناء. وقد تصاعدت الاشتباكات الجوية فعلاً، في أعقاب معركة رأس العش، حيث تطورت الاشتباكات، مع تنفيذ مهام القصف الجوي يومي 14،15 يوليه 1967، بهدف حماية القوات البرية، من تأثير أعمال العدو الجوية. وقد أسفرت هذه المعارك عن إصابة ثلاث طائرات ميراج معادية، في مقابل ثلاث طائرات مصرية، دون إصابات في الطيارين، مع تكبيد العدو شرق القناة خسائر كبيرة في قواته، التي كانت لا تزال في العراء، حتى ذلك الحـين. وقد توقف استخدام الطيران مرحليا بعد هذا الاشتباك الكبير، واقتصر على اشتباكات جوية فردية، أو معارك جوية متباعدة، كان أهمها معارك 23 أكتوبر، 3 نوفمبر، 10 ديسمبر 1968، التي أسفـرت عـن إسقاط طائرتي ميراج إسرائيليتين، وطائرتي ميج ـ 17 مصريتين. ولا شك أن القوات الجوية المصرية، على مختلف مستوياتها التخصصية، استفادت من هذه الفترة في الإعداد والتنظيم والتدريب، تمهيدا للمرحلة الرئيسية التي بدأت اعتباراً من مارس 1969. علما بأن القيادة العسكرية، كانت متحفظة على الزج بالقوات الجوية في تلك الحرب، حتى تضمن استكمال استعدادها، خصوصا أن المرحلة الأولى من حرب الاستنزاف اقتصر نشاط العدو الجوي فيها، على أعمال الاستطلاع، والكمائن، لاصطياد الطائرات، دون الدخول في أعمال قتالية واسعة. ولكنه اعتبارا من 20 يوليه 1969، ومع بداية المرحلة الثانية لحرب الاستنزاف، توسع في استخدام قواته الجوية كعنصر تفوق للاستنزاف المضاد، بهدف إجبار القيادة السياسية على عدم الاسترسال في حرب الاستنزاف وإيقافها. وقد أدى هذا التطور، إلى إجبار القوات الجوية على عدم التخلي عن مسئولياتها في حماية القوات البرية على الرغم من عدم استكمال استعداداتها، خصوصا أن قوات الدفاع الجوي، لم تكن قد استعدت للقيام بمهامها بصورة مناسبة.

وقد صدرت الأوامر للقوات الجوية المصرية يوم 20 يوليه، بالرد على القصف الجوي المعادي حيث شاركت 50 طائرة في قصف أهداف إسرائيلية شرقي القناة، منها مواقع صواريخ هوك في رمانة، ومحطة رادار شرق الإسماعيلية، علاوة على التجمعات الإسرائيلية، وأوقعت بها خسائر كبيرة. وقد تكرر هذا القصف يوم 24 يوليه، بقوة أربعة أسراب، ثم يوم 11 سبتمبر في ضربة جوية مصغرة، ثم تكررت الهجمات خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 1969، حتى بلغ إجمالي الطلعات الجوية المصرية، خلال الفترة من 20 يوليه إلى 31 ديسمبر 1969، حوالي 3200 طلعة جوية، لأغراض التأمين والقصف والاستطلاع.

ثم تطور النشاط الجوي بصورة أكبر، مع تصاعد تنفيذ العدو للخطة "بريما"، التي يقوم فيها بغارات ضد العمق المصري، إذ كانت لديه طائرات الفانتوم، ذات المدى البعيد، والحمولات الكبيرة. وقد كان الرد المصري بصورة شبه، يومية ضد أهداف العدو شرقي القناة، واشتركت طائرات الأليوشن ـ 28 في قصف جزيرة شدوان، عند احتلالها بواسطة العدو ليلة 23/ 24 يناير 70.

وقد أدى وصول وحدات الدعم السوفيتية، التي تولت تأمين العمق المصري، إلى سحب الأسراب الجوية المصرية، التي كانت مكلفة بهذه المهام، لتدعيم القوات على الجبهة، حيث زادت كثافة القصف المصري، ضد العدو خلال شهري إبريل ومايو70.

وقد بلغ إجمالي الطلعات الجوية، خلال المرحلة الأخيرة من حرب الاستنزاف، حوالي 4000 طلعة جوية، شملت التأمين والقصف والاستطلاع. وبذلك، بلغ إجمالي المجهود الجوي، خلال مرحلة الاستنزاف، حوالي 7200 طلعة جوية.

ولتوضيح صورة الأعمال القتالية في تلك المرحلة، تبرز الحقائق الآتية:

1. أنواع الطائرات: كانت الطائرات الإسرائيلية "الأمريكية والفرنسية الصنع"، أكثر تقدماً من الطائرات المصرية "السوفيتية الصنع". حيث كانت متفوقة عليها في المدى، والحمولات، ووسائل الملاحة، والتنسيق، والإنذار، والمناورة.

2. وسائل التوجيه: كانت الطائرات الأمريكية مزودة بوسائل إلكترونية متقدمة، يعتمد عليها الطيار بصورة شبه كاملة. خلافاً للطائرات المصرية، التي تعتمد على كفاءة الموجه.

3. الطيارون: اعتمدت إسرائيل على أكفأ طياريها في مرحلة حرب الاستنزاف، وفي الوقت نفسه جنـدت عدداً كبيراً من الطيارين الأجانب والمتطوعين، بحيث كانت نسبة الطيارين إلى الطائرات 1.7 : 1. بينما كان الطيارون المصريون من الشباب المتخرج حديثاً، والجاري إعداده وتدريبه، والذي اكتسب خبرته القتالية أساساً من الاشتباكات، مع الطائرات الإسرائيلية، أثناء حرب الاستنزاف.

4. في بداية حرب الاستنزاف قررت القيادة الإسرائيلية ـ التي كانت على علم تام بالفارق بين القوات الجوية المصرية وقواتها الجوية ـ استدراج المقاتلات المصرية، إلى معارك جوية مدبّرة، حشدت لها أكفأ طياريها، بحيث تدمر هذه القوات مبكرا وتضمن السيادة الجوية بعد ذلك. وقد نجحت إسرائيل في استدراج الطائرات المصرية في عدة معارك، إلى أن تم اكتشاف الخطة الإسرائيلية، ونفّذت الخطط المضادة لها.

5. كان هناك فارق كبير بين أهداف استخدام القوات الجوية للطرفين: فبينما كانت إسرائيل تهدف إلى تحقيق السيطرة الجوية، واستخدام الطيران، كأداة ردع لتحقيق أهداف إستراتيجية، لتدمير القدرة والإرادة المصرية، والضغط على القيادة السياسية المصرية، كانت أهداف القوات الجوية المصرية تنحصر في أهداف دفاعية مطلقة (وقد نبعت الأهداف من القدرات أساساً). وقد بلغ متوسط المجهود الشـهري الإسرائيلي خلال النصف الثاني عام 1969، حوالي 573 طائرة، زادت خلال عام 1970 إلى حوالي 892 طائرة.

وتلخص نتائج تقييم أعمال القوات الجوية المصرية، خلال حرب الاستنزاف، في الآتي:

1. المشاركة في توفير المعلومات عن قوات العدو، في سيناء والبحرين الأبيض والأحمر.

2. المشاركة في استنزاف قوات العدو في سيناء.

3. تأمين التجمعات الرئيسية للقوات البرية، والأهداف الحيوية، عن الدولة.

رابعاً: الاستنزاف على الجبهة الشرقية

ظهر ضعف فعالية الجبهة الشرقية، نتيجة إحجام حكوماتها عن "تسخين الجبهة"، لعدة اعتبارات سياسية، مما أدى إلى مواجهة مصر والمقاومة الفلسطينية الموقف وحدهما. على الرغم من تأكيد بعض الدول عدم التزامها بقرار وقف إطلاق النار، الصادر في 8 يونيه 1967، وعزمها على مواصلة حرب الاستنزاف ضد إسرائيل، حتى تنفذ ما عليها من التزامات طبقا للقرار 242، الصادر من مجلس الأمن. وقد أثار استرخاء جبهات لبنان وسورية والأردن، مشكلات حادة للمقاومة الفلسطينية، التي كانت نشطة في إدارة العمل الفدائي، ضد إسرائيل من تلك الجبهات، وما تبع ذلك من فرض قيود شديدة على حركة المقاومة الفلسطينية فيها. ثم قيام حكومة الأردن بتصفية المقاومة الفلسطينية، فيما عُرف بـ "أيلول الأسود"، سبتمبر 1970.

وقد كانت فعاليات حرب الاستنزاف على الجبهات المختلفة، في "الجبهة الشرقية"، محدودة للغاية. والحقيقة أن التنسيق العربي/العربي، كان دائما هو نقطة الضعف الرئيسية، التي أدت باستمرار إلى النكسات، أو القصور الشديد، في الإجراءات والقرارات المصيرية، ومنها حرب الاستنزاف.

1. المقاومة الفلسطينية (اُنظر شكل الأعمال الفدائية الفلسطينية)

أعدت منظمة التحرير الفلسطينية، أنشطة عسكرية في مختلف المجالات، ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وبعض المناطق العربية الأخرى. وقد اعتمد الفلسطينيون على قاعدتهم الرئيسية في الضفة الغربية، التي يوجد بها ثلاثة أرباع المليون عربي، علاوة على قواعد أخرى منتشرة في البلاد العربية، طبقاً لاتفاقيات والتزامات من هذه الدول، نحو القضية الفلسطينية. فقد كانت توجد قواعد وتجمعات مقاومة، في كل من مصر وسورية والعراق والجزائر ولبنان وغيرها.

وكان التخطيط على أن تتركز المقاومات "الأرضية"، عبر دول المواجهة، تجاه إسرائيل. وكانت أهم هذه الجبهات الأردن. أما القواعد الأخرى، فيتم استخدامها في العمل الفدائي الخارجي ضد المصالح الإسرائيلية، في أنحاء العالم.

ومن هذا المنطلق، فإن الغالبية العظمى من أعمال المقاومة الفلسطينية، انطلقت من الأراضي الأردنية خلال عامي 1968، 1969. وكانت تبدأ تقريبا من وادي الأردن، أو في وادي بيت شين في الأردن. ومن ثم فإن جزءاً كبيراً من المجهود الدفاعي الإسرائيلي، كان موجها في اتجاه الحدود الأردنية.

ولكن مع تصاعد المواجهات العنيفة، والتي نظمها الجانب الإسرائيلي، خلال إجراءات تأمين صارمة، شملت نُظماً إلكترونية، وداوريات على طول الحدود، وسيطرة على المناطق الصحراوية والمناطق المفتوحة، التي كانت تستخدمها المقاومة، أدى ذلك كله إلى تقليص حجم المقاومة من اتجاه الضفة الغربية، وانتقالها إلى الضفة الشرقية، حيث أقامت قواعدها، وباشر المقاومون عملياتهم عبر النهر، والعودة بعد تنفيذ المهام.

ولم تقتصر المواجهات على الأعمال القتالية التعرضية للقوات، ولكن كانت توجه قصفات بالمدفعية والصواريخ "الكاتيوشا"، ضد الداوريات الإسرائيلية، وضد بعض المستعمرات الحدودية، سواء من جانب المقاومة الفلسطينية، أو المدفعية الأردنية أو العراقية المرابطة في الأردن.

وكان أهم العمليات، التي أدت إلى شعور إسرائيل بالمرارة، قصف حافلة مدرسية في شهر مارس 1968، حيث قتل وجرح بعض التلاميذ. وقد أثار هذا الحادث الرأي العام الغربي، وفي إسرائيل، التي قررت الانتقام من ذلك الحادث بشن هجوم ضد القاعدة الفلسطينية الرئيسية، في الأردن (منطقة الكرامة).

2. معركة الكرامة (اُنظر شكل معركة الكرامة)

تم التخطيط لإغارة إسرائيلية ذات شعبتين، الهجوم الرئيسي في اتجاه قرية الكرامة، والثانوي ضد قرية "صافي"، جنوبي البحر الميت. وتحدد أول ضوء يوم 21 مارس 1968، لشن الهجوم في الاتجاهين، في وقت واحد.

كانت فكرة الهجوم على منطقة الكرامة، ينحصر في عزلها، أولاً، بدفع قوات مدرعة إسرائيلية للاتصال بقوات مظلات، يتم إبرارها شرق البلدة، بهدف منع وصول أي قوات أردنية للتدخل في المعركة، ومنع القوات الفلسطينية من الانسحاب شرقاً، وبتمام الحصار، تُدفع قوات مظليين على عربات مدرعة ومدعمة بالدبابات، لاقتحام البلدة والسيطرة عليها، وأسر وقتل من فيها، والاستيلاء على كل الوثائق الموجودة بها.

أما الاتجاه الآخر ضد قرية "صافي"، فيتم اقتحامها مباشرة بالدبابات الإسرائيلية، وفي أول ضوء بدأ الهجوم، بإبرار المظلات أولا، واندفاع الدبابات الإسرائيلية من خلال جسري "ألنبي ، وداميه" تحت ستر مظلة جوية إسرائيلية كثيفة. وقد دارت معارك عنيفة، بين المدرعات الإسرائيلية، والأردنية، حيث كانت الغلبة للإسرائيليين.

ثم اقتحمت قوات المظلات بلدة الكرامة، واستولت عليها قبل الساعة الثامنة صباحاً "واكتشفت أنها قاعدة كبيرة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأكبر مما كان متصورا من قبل.

ومع استمرار المعركة، وسيطرة الطيران والمدرعات الإسرائيلية على مسرح العمليات، فقد اضطرت المدرعات الأردنية إلى الانسحاب إلى التلال المحيطة، والاشتباك مع القوات الإسرائيلية من المناطق المرتفعة. واعتباراً من منتصـف نهار يوم 21 مارس، صدرت الأوامر للقوات الإسرائيلية بالانسحاب من قريتي الكرامة، وصافي، حيث عادت إلى قواعدها في الساعة التاسعة مساء اليوم نفسه.

وطبقاً للتقديرات الإسرائيلية، بلغت خسائرها في هذا اليوم: 28 قتيلاً، و29 جريحاً، إضافة لفقد أربع دبابات، وعربتين مدرعتين، وطائرة مقاتلة وكانت الخسائر الأردنية حوالي أربعين قتيلاً. أما الفلسطينيون فخسروا مائتي قتيل، وأُسر حوالي 150 فرد.

وكانت أهم نتائج هذه الإغارة، الحصول على وثائق مكّنت إسرائيل من معرفة أماكن وحدات المنظمة، المنتشرة على طول نهر الأردن، مما أجبر الفلسطينيون على تغيير جميع أوضاعهم، ونقلها إلى مناطق أخرى، حتى لا تكون عرضة لهجمات إسرائيلية قادمة .. ومع ذلك، فقد تعرضت "الأماكن القديمة والجديدة" لقصف جوي مستمر. سرعان ما استوعبه الفلسطينيون بإقامة تحصينات، مع الانتشار والبعد عن الأهداف الشهيرة. كما لجأت المنظمة إلى نشر تجمعاتها في المناطق الشعبية الأردنية، لإجبار إسرائيل على الحد من قصفها الجوي.

وكل ذلك كان له مردود قاسٍ على المنظمة نفسها. فقد أدى وجود الفلسطينيين في مناطق آهلة بالسكان، إلى فرض إجراءات أمنية، وإلى تعاطف من جانب، ومشاكل من جانب آخر. وكانت المحصلة النهائية، هي صدام السلطات، حيث اشتعلت الإجراءات المتضادة، ما بين السلطة التشريعية الأردنية، وعناصر المقاومة الفلسطينية، وانتهت بأحداث أيلول الأسود عام 70، وما أعقبه من مؤتمر القمة العربي في الثلث الأخير من سبتمبر 70. حيث جرى إقرار تنفيذ اتفاقية القاهرة" بتغيير تمركز العناصر الفلسطينية، وانتقالها إلى الجنوب اللبناني.

3. الأعمال الفدائية ضد المصالح الإسرائيلية في الخارج (اُنظر شكل الأعمال الفدائية الفلسطينية)

لجأت منظمة التحرير لشن هذه الأعمال، بهدف إشعار العالم أن القضية الفلسطينية لم تصبح جثة هامدة.

وقد تطلبت هذه الأعمال، إجراء تنظيم وتدريب عنيفين، وعلى أعلى مستوى فني. كذلك تطلبت إمكانيات كبيرة لإنجاحها. وكانت بدايتها في يوليه 1968، باختطاف إحدى طائرات العال الإسرائيلية وتوجيهها إلى الجزائر، ثم تكررت بعد ذلك في أرجاء أوروبا وأمريكا، وبعض البلاد العربية، ووصلت قمة التخطيط والتنفيذ باختـطاف ثلاث طائرات مرة واحدة، وهبوطهم في الأردن في سبتمبر 1970 (قبل أحداث أيلول الأسود بأيام قليلة).

وأهم الأعمال الفدائية، التي كان لها تأثير معنوي عنيف على إسرائيل، وردود فعل لدى الرأي العالم العالمي، فكانت الهجوم على البعثة الأوليمبية الإسرائيلية في ميونيخ عام 1972.

والضربة الناجحة الأخرى، والتي نفذها فدائيان فلسطينيان في النمسا، هي اختطاف قطار، قادم من موسكو عليه عدد من المهاجرين اليهود السوفيت، حيث قادا الفدائيان القطار إلى مركز داخل النمسا، وأخذا أربعة رهائن، وأعلنا شروطهما للإفراج عن الرهائن، وعلى أثر ذلك، اجتمع مجلس الوزراء النمساوي، وخرج بعده المستشار برونو كراييسكي ليعلن موافقته على شروط الفدائيين، وهي إغلاق مركز تجميع المهاجرين اليهود السوفيت إلى إسرائيل، وإلغاء كل التسهيلات التي كانت تقدم لهم. وعلى الفور، سلم الفدائيان رهائنهم، وركبا طائرة قدمتها لهم الحكومة النمساوية، هبطت بهما في ليبيا.

وقد أحدث قرار الحكومة النمساوية صدمة شديدة في إسرائيل، وهاجمت الصحف الإسرائيلية النمسا وحكومتها ومستشارها كرايسكس، ووصفت موقفه بأنه استسلام للإرهاب العربي. وكان هناك إجماع على صعوبة إيجاد بديل لمركز تجميع اليهود في النمسا.

وهكذا، كانت حرب الاستنزاف الساحة، التي أثبت فيها الفلسطينيون ذاتهم ، وأشعروا العالم بوجودهم. وقد أدت هذه الحرب إلى فتح صفحة جديدة في تاريخ الأمم عن القضية الفلسطينية، التي كانت شبه مطموسة


 



[1] المشير محمد علي فهمي ، القوة الرابعة ، الهيئة المصرية للكتاب القاهرة 1977

[2] أول ما بدأ العمل في بناء هذه المواقع، انهالت تصريحات قادة إسرائيل، معبرة عن إصرارهم على منع مصر من إدخال صواريخها إلى الجبهة، والسماح بإنشاء تجهيزات هندسية لاستقبال هذه الأسلحة. ففي 29 مارس 1970 صرح حاييم باريف لمجلة تايمز الأمريكية بأن صواريخ سام ليست دفاعية، وأن إقامة هذه الصواريخ فقط سيعطي مصر قوة هجومية، وسيخلق لديها شعوراً بالحرية لفعل ما تريد. وفي اليوم التالي مباشرة قال ايجال آلون: إن إسرائيل تنوي القيام بأقصى مجهود لتحول دون إقامة شبكة الدفاع الجوي المصرية، وأن السيطرة الإسرائيلية فوق منطقة القناة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، وأن خطتنا هي متابعة القصف الجوي، لمنع إقامة شبكة دفاعية جديدة، أو ترميم الشبكة القديمة. وفي 10 مايو صرح موشى ديان، في ثقة وصلف، بأن إسرائيل لن تسمح بإقامة شبكة صواريخ دفاع جوي في منطقة القناة. وأصبحت الصورة واضحة تماماً منذ منتصف شهر يوليه، فالقادة في كل من مصر وإسرائيل يعلمون علم اليقين، أن القوات المسلحة المصرية لا يمكن أن تعبر القناة وتهاجم المواقع الإسرائيلية في سيناء، دون حماية من الصواريخ. ولهذا فهو أمر حتمي بالنسبة لمصر، وعلى العكس بالنسبة لإسرائيل. وتحول الموضوع إلى صراع سافر وعنيف بين إرادتين. وبالفعل، قامت إسرائيل بتوجيه هجماتها بقصف المهندسين والعمال القائمين ببناء المواقع، بآلاف القنابل والصواريخ. وفي مارس 1970 وجهت إسرائيل 116 هجمة جوية ضد العاملين، في إنشاء هذه المواقع. وفي شهر أبريل تعرض العمال إلى 103 هجمة جوية إسرائيلية، ونتيجة لهذا القصف الجوي المستمر، استشهد كثير من المهندسين والعمال، إضافة إلى عدد كبير من ضباط وجنود الدفاع الجوي. وعلى الرغم من ذلك، فقد صمم العاملون على إتمام عملهم، ولما كان القصف الجوي يتم عادة أثناء النهار، فقد قرروا العمل ليلاً باستخدام المصابيح، ومع ذلك فقد كانت الطائرات الإسرائيلية تقوم في صباح اليوم التالي، بقصف ما تم إنشاؤه.

[3] شملت هذه الهجمات الجوية مناطق التل الكبير وأنشاص ودهشور وبعض المناطق المدنية الأخرى في وادي النيل وشرق الدلتا، وكان من نتائج ذلك قصفها لأحد مصانع أبو زعبل في فبراير 1970 ولإحدى مدارس الأطفال في بحر البقر في إبريل  1970

[4] أوردت المجلة الأمريكية افييشن ويك (Aviation week) في 11 نوفمبر 1970، حصراً لخسائر إسرائيل والطائرات، خلال الفترة من 30 يونيه حتى 7 أغسطس 1970، قالت فيه إن عدد الطائرات التي أسقطت بلغ 51 طائرة تم تدميرها تماماً، بينما أصيبت 34 طائرة

[5] يتآكل ورد ذلك على لسان (آبا ايبان) في الكنيست عندما ذكر أن الطيران الإسرائيلي الذراع الطويلة وقوة الردع الإسرائيلي بدأت تتآكل أمام الدفاع الجوي المصري

[6] أطلق على تلك المنظومة اسم حائط الصواريخ، الذي تحطمت عليها الطائرات الإسرائيلية في السادس من أكتوبر 1973