إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الأهلية اللبنانية






مواقع المخيمات الفلسطينية
مواقع المخيمات الفلسطينية
لبنان - التوزيع الطائفي
الجمهورية اللبنانية
تعداد الفلسطينيين بلبنان
جنوب لبنان



المبحث الثاني

المبحث الثاني

سورية والحرب الأهلية اللبنانية

1. أبعاد التدخل السوري

يُعَدّ لبنان امتداداً جغرافياً لسورية، ويمثّل، بالنسبة إليها، أهمية كبرى، في إطار مجموعة من الضوابط، المحلية والإقليمية والدولية. واستعاض النظام الحاكم في سورية عن المطالبة بحقوق، تاريخية وجغرافية، في لبنان، بالتركيز في خصوصية العلاقة بين "البلدين التوأمين"، الأمر الذي ظل محل عناية الحكم اللبناني، في عهوده المتعاقبة. وانعكست هذه الخصوصية في اطِّراح كلٍّ من التوأمين، إنشاء سفارة له لدى التوأم الآخر.

       تبدّى الاهتمام السوري بالوضع اللبناني، عامة، منذ هزيمة يونيه 1967، إلا أنه تضاعف مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية، عام 1975. فبعد حرب الأيام الستة، أصبح تكوين جبهة شرقية، أحد أهم أهداف السياسة العربية السورية. وتتلخص فكرة الجبهة في نشوء وحدة عسكرية بين دول المواجَهة، في المشرق العربي، أي سورية والأردن والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية، على أن تكون سورية محور هذه الجبهة. إلا أن أحداث الأردن، عام 1970، وترّدد لبنان وخوفه من تحويل أراضيه إلى أهداف للضربات العسكرية الإسرائيلية، مما يهدد بقاءه، لفتت المعنيين عن فكرة الجبهة. أمّا العراق، فكان ينظر إلى موضوع الجبهة من منظار الثقة المفقودة بين قيادات حزب "البعث"، في بغداد ودمشق. وهكذا، دخل مفهوم الجبهة الشرقية، بمجمله، في متاهات السياسات الإقليمية للأطراف المعنية. وبينما ظلت سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية متمسكتَين بفكرة الجبهة، وتتصرفان وكأنها قائمة، كان لبنان يتفلت من الفرص، التي كانت يستطيع أن يقدم فيها الدعم إلى هذه الفكرة.

       وبعد حرب أكتوبر 1973، أعادت سورية طرح موضوع الجبهة، وذلك بعد مشاركة قوات، عراقية وفلسطينية وأردنية، في القتال على جبهة الجولان. ونجحت السياسة السورية في خلق تقارب، سياسي وعسكري، مع الأردن، بينما ظل لبنان على موقفه السابق، بحجة أن الجيش اللبناني، بأوضاعه الحالية، لا يمكنه أن يؤدي أي دور فعال، في أي جبهة ضد إسرائيل. فَوُئِدَت الجبهة الشرقية.

       ولدى اشتداد القتال في لبنان، بين الفئات المتنازعة، كانت سورية أسرع الأطراف العربية إلى الوساطة، بهدف إيقاف الاشتباكات، أولاً، والتأثير في الموقف اللبناني، وترتيب الأوضاع اللبنانية ـ الفلسطينية، في مرحلة لاحقة. وانطلقت الوساطة السورية من قناعة دمشق بأنها الأكثر تأثراً بما يجري في لبنان، نظراً إلى روابطها التاريخية به. فمنذ قوَّض الاستعمار، البريطاني والفرنسي، الوحدة الجغرافية للولاية السورية (سورية ولبنان والأردن وفلسطين)، ظلت النظرة السورية إلى التطورات، السياسية والاجتماعية، في لبنان، متأثرة بفكرة الوحدة السياسية للكيانات، الناجمة عن الأطماع الأجنبية في المشرق العربي. وأثناء الجولات العسكرية، التي كان يمر بها النزاع العربي ـ الإسرائيلي، كانت دمشق تستشعر، أكثر من غيرها، الخطر المتمثل في الوضع اللبناني، وإمكانية استغلال إسرائيل له، في ضرب الأمن السوري.

هذه القناعة، كانت المحرك الرئيسي للوساطة السورية، بين الجماعات المتناحرة في لبنان. وحرصت سورية، خلالها، على أن تطرح نفسها كحَكم خارجي؛ إذ إن التوصل إلى اتفاق، سيكون من مصلحة جميع الأطراف، بما فيها الوسيط نفسه. وانطلقت الوساطة السورية من منطلقات ثلاثة، تبدو منطقية لجميع الأطراف:

  1. إن ضمان أمْن سورية، في مواجَهة إسرائيل، يتطلب لبنان مستقراً، وقوياً.
  2. إن استعمال القوة، بين فئات، اجتماعية وطائفية، مختلفة، سيؤدي إلى تقسيم لبنان إلى دويلات طائفية.
  3. إن سورية، وجميع الدول العربية، لن تقبَل التعامل مع أي كيان مسيحي في لبنان. وستكون النظرة إلى مثل هذا الكيان، كالنظرة إلى الكيان الصهيوني، القائم على الدين.

وكان واضحاً من الموقف السوري، أن سورية ستواصل اضطلاعها بدور الوسيط الحيادي، حفاظاً على استقلال لبنان ووحدته. وأن تعرّض هذا الاستقلال لأي تهديد إسرائيلي حقيقي، سيحوّل الوساطة إلى تدخّل. فقد أكد وزير الخارجية السوري، في خطاب ألقاه في دمشق (17 نوفمبر 1975)، أن سورية تحذر من أي محاولات، تهدف إلى تقسيم لبنان.

وعندما دعت جامعة الدول العربية، بمبادرة كويتية، إلى عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب، لبحث الأزمة اللبنانية (عُقد الاجتماع في 15 أكتوبر 1975)، لم تستجب سورية، ورفضت الاشتراك في المؤتمر، ورأت أن الدعوة، في حدّ ذاتها، تتعارض مع جهودها الخاصة. وفسرت القصد من الاجتماع، بأنه تغطية للتحركات الدولية، المحيطة بالقضية العربية.

2. أُسُس السياسة السورية في لبنان

لا شك أن السياسة السورية، تؤثر تأثيراً واضحاً في الشأن اللبناني؛ إذ إن الساحة اللبنانية هي مجال حيوي، بالنسبة إلى سورية.

وأياً كانت الآراء حول الوجود السوري في لبنان، إلا أنه أسهم في الحفاظ على الكيان اللبناني، من خلال الدور، الذي اضطلعت به القوات السورية في صراعات القوى اللبنانية المختلفة، إبّان الحرب الأهلية، لمنع تفوق أي منها على القوى الأخرى.

إلاّ أن سورية احتفظت بالورقة اللبنانية، بوصفها أحد عناصر قوّتها في نطاق عملية التسوية السلمية. ونجحت في توظيفها نجاحاً عظيماً. ومن ثم، ربطت أي تسوية بين لبنان وإسرائيل، بالتسوية بين سورية وإسرائيل. ومن المعروف، أن تحقيق تسوية بين لبنان وإسرائيل لا يعاني الصعوبات القائمة على المسار السوري. واستطراداً، فنجاح سورية في الربط بين المسارين، يمثّل إحدى الأوراق السورية المهمة. وقد تحركت سورية تحركاً عملياً، في هذا الصدد، تمثّل في الضغط على الرئيس اللبناني، أمين الجميل، لإلغاء اتفاق مايو 1983 الذي كان قد توصل إليه إسرائيل ولبنان، في ذلك الوقت. وأدركت سورية أهمية تحقيق السلام مع لبنان، بالنسبة إلى إسرائيل، خاصة أنه سيؤدي إلى تطبيع العلاقات، والتوصل إلى أسلوب للتعاون بينهما، خاصة في مجال المياه؛ وهي مسالة حيوية، بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي.

       كما أن السياسة السورية في لبنان، المشجعة للمقاومة الوطنية اللبنانية، تُعَدّ أحد عناصر الضغط النسبي على الجانب الإسرائيلي. فضلاً عن أن تنسيق سورية مع إيران، خاصة في نطاق التعامل مع حزب الله في لبنان، وتوظيفه في نطاق الضغط على إسرائيل، يمثّل صورة من صور الضغط السوري على الجانب الآخر. وكان الرد الإسرائيلي على دمشق رداً واضحاً، كذلك؛ إذ طالما حاولت خلق إدراك واتجاه مضادّين لفاعلية الدور السوري في لبنان، وعملت على إحراج سورية، من خلال بعض العمليات العسكرية، الهادفة إلى توريط القوات السورية في مواجَهة مع إسرائيل، من دون إعداد كافٍ، وعلى المسرح الإسرائيلي. وهو ما لم تنجح في تحقيقه، في معظَم المحاولات، بل كانت نتائج عملياتها العسكرية في لبنان غير متلائمة مع حجم القوات، ولا مع نفقات العمليات.

وتعرّض الدور السوري في لبنان للضغط الخارجي، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، الساعية إلى دور متميز في تحقيق التسوية السلمية للنزاع العربي ـ الإسرائيلي. فمارست ضغوطاً شديدة على الجانب السوري، في مرحلة ما قبل انعقاد مؤتمر مدريد. ولعل دور الولايات المتحدة الأمريكية، بالتنسيق مع إسرائيل، في وصول بشير الجميل، ثم أمين الجميل، إلى رئاسة الجمهورية في لبنان، يمثّل أحد التحديات التي وُجِّهت مباشرة إلى الدور السوري في هذا البلد، في نطاق عملية الضغط على سورية، كطرف معارض، آنئذٍ، للتسوية. كما كان لواشنطن دور مهم في أزمة الفراغ الدستوري في لبنان، المتمثلة في انتهاء مدة رئاسة أمين الجميل، من دون التوصل إلى انتخاب رئيس بديل، لتعذّر انعقاد مجلس النواب اللبناني، لانتخاب الرئيس الجديد. وأسفر تسليم الجميل السلطة إلى ميشال عون عن ازدواجية، على مستوى الحكومة، وفراغ، على مستوى مؤسسة الرئاسة الأولى، فبات الخطر يكتنف الكيان اللبناني.

3. جذور التدخل السوري في لبنان

ينمّ تعاقب 133 والياً، على حكم دمشق، خلال العهد العثماني، منهم 100 والٍ لم تبلغ فترة حكم الواحد منهم عامين ـ على اضطراب الشؤون، الإدارية والسياسية، مما حمل المواطنين على الهرب. فغادر سورية أكثر الموارنة، الذين قطنوا فيها، إلى لبنان.

وما لبثت شوكة الموارنة، أن قويت، داخل لبنان، خاصة في عهد محمد علي باشا. فحاولوا، بمساعدة فرنسا وغيرها من الدول الكاثوليكية، أن يجعلوا لبنان وطناً قومياً للمسيحيين. وزيّن لهم ذلك تقدُّمهم، العلمي والاقتصادي والفكري، وأغراهم به الفكر الفرنسي، الذي وجدوا فيه ضالتهم المنشودة.

أمّا الرأي العام السوري، فكان مستعداً لتقبُّل أي قوة من الحلفاء، يستعاض بها عن الاحتلال التركي، ولا سيما من إنجلترا، مشترطاً استعادة الحرية، عقب الحرب العالمية الأولى.

غير أن إعلان بلفور، الصادر في 2 نوفمبر 1917، والمتعلق بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وهي جزء من الحدود الطبيعية لسورية، أوضح للعرب مدى الخطر الكامن في الوجود الأجنبي في منطقة الشام بصفة عامة. بيد أن الرؤية الواضحة، جاءت متأخرة، بل إن معالجة الأمر، انطوت، كما هي العادة، على خطر أشد. فبدلاً من تكاتف القوى العربية، في مواجَهة إعلان بلفور، إذا بها تلجأ إلى بريطانيا، وتكوّن معها قوة، تزحف بها إلى فلسطين، بقيادة اللّنبي، ولورانس، أحد ضباط الاستخبارات البريطانية. ودخل الزاحفون دمشق، واستولوا على المدن السورية، الواحدة تلو الأخرى. وبذلك، تحققت رغبة لورانس في الإبقاء على التفتت والفوضى السياسيَّين في المنطقة.

وبانتهاء الحرب العالمية الأولى، توطد النفوذ الفرنسي في سورية ولبنان، بل داخل سورية الكبرى. وفي أغسطس 1920، صدر مرسوم فرنسي يقضي بضم بيروت والبقاع وطرابلس وصيدا وصور إلى جبل لبنان، كدولة مستقلة، تحت الانتداب الفرنسي. وهكذا، قضى الفرنسيون على جذور الوحدة بين سورية ولبنان، مؤكدين ذلك باختيار بعض المواطنين اللبنانيين، خريجي المعاهد الفرنسية، للمعاونة على إدارة شؤون لبنان.

وعلى الرغم من استقلال الدولتَين عن الاستعمار الفرنسي، إلا أن رواسب الاستعمار، ظلت كامنة في النفوس. فعرف لبنان فريقين. أحدهما مسيحي، يتجه نحو الغرب، ويتماهى به، روحاً وفكراً وثقافة، ويتعامل معه، من دون تحفظ أو ريبة. والثاني معظَمه من المسلمين، يتجه نحو الداخل العربي.

وفي إطار هذا السياق، استبان هدف سورية، خلال محادثات إنشاء جامعة الدول العربية، إذ جاء على لسان رئيس وفدها، في اجتماع 30 أكتوبر 1943: "كنا، دائماً، نطالب بأن يكون لبنان، بالنسبة إلى سورية، في وضع طبيعي. فإما أن تكون الصِّلات بيننا وبينه، قائمة على أُسُس الاتحاد؛ وإما أن تُرَدّ إلى سورية الأجزاء التي انتزعت منها، ويعود لبنان إلى ما كان عليه من قبْل. ولكن الآن، وقد أخذ لبنان يتخلص من كل نفوذ يعترض سبيله، ويحُول دون ممارسته لخصائص الاستقلال والسيادة وصلاحياتهما ـ فإننا نرى أن ننهج خطة جديدة، فنقيم الصِّلات بيننا وبينه، على قاعدة التعاون على تثبيت الاستقلال، وتسوية المشكلات، التي أحدثها الماضي، بالتعاون والاتفاق ....

4. مراحل الدور السوري

مَرّ دور سورية في لبنان، عبَر ثلاث مراحل: الأولى، كانت دور الوساطة، واحتواء الأزمة. وانتهت إلى تكوين "هيئة الحوار الوطني". والثانية، كانت محاولة البحث عن حل، وانتهت إلى ما أطلق عليه "الوثيقة الدستورية". والثالثة، هي فرض نهاية للأحداث.

ولكن ذلك، قد يعني أن سورية تورطت في الأزمة، وهو معنى خاطئ، وأمر غير مقبـول، بالنسبة إلى سورية، خاصة أن قيادات المقاومة وقيادات "الحركة الوطنية اللبنانية"، ولا سيما كمال جنبلاط، قد خاضت معارك حوار مع القيادة السورية، عرّفت كلاًّ من الرئيس الأسد وعبدالحليم خدام، كل الحقائق والاعتراضات.

ودراسة الواقع، تكشف كثيراً من الحقائق، التي يجب أن تكون واضحة. ففي 7 يناير 1975، اجتمع الرئيس الأسد مع الرئيس سليمان فرنجية، في شتوره، قبل بدء الحرب، بثلاثة أشهر. وفي هذا الاجتماع، عرض الرئيس السوري استعداده لمساعدة الرئيس اللبناني، إلى درجة إرسال قوات سورية للدفاع عن لبنان، أو عقد اتفاقية أمْن بين البلدين. كما أن سورية كانت تشعر بالقلق من أوضاع لبنان. ويمكِن إرجاع مصادر القلق السوري، طبقاً للوقائع على الساحة اللبنانية، إلى ما يلي:

  1. شعرت سورية، أن لبنان قد أصبح ساحة، تنطلق منها كل الأنشطة والتحركات ضدها. وأن هذه التحركات، ازدادت بعد الاتفاق المصري ـ الإسرائيلي.
  2. يمكِن سورية، مع لبنان، وقف أي نشاط فدائي، وفي إمكانهما الحدّ من المقاومة، التي يستخدمها المسلمون في خلافاتهم مع المسيحيين، للحصول على تنازلات من أجل تحقيق مطالبهم.
  3. أخذ السوريون على لبنان مسايرته العراق، وازدياد نشاط البعثيين العراقيين فيه، وتزايد نشاطهم الإعلامي. وطالبت سورية بوقف نشاطهم مع جماعة الرفض والقوميين، واتّهمتهم جميعاً بالعمل ضد النظام السوري، في لبنان.
  4. تعهد المسؤولون السوريون بوقف كل نزف في لبنان. والضغط على المقاومة، بجميع الوسائل، لوقف نشاطها في الساحة اللبنانية، فيفقد المسلمون، واليسار، سلاحهم الأمضى في تصادمهم مع المسيحيين.

واتَّضح أن ثمة نوعاً من التنسيق السوري ـ اللبناني، يشير إلى وجود معلومات سورية، أن لبنان أصبح مسرحاً لمؤامرات العراق على سورية. وأن النظام اللبناني، تعهد باتخاذ إجراءات حازمة ضد هذا النشاط، خاصة نشاط الجبهة الشعبية. وبالفعل، صدرت التعليمات إلى الأمن العام اللبناني، في 26 مايو 1975، برصد كافة التحركات العراقية في لبنان.

واتفق الطرفان على إحياء اتفاق شتوره، بين الرئيسَين، فرنجية والأسد، القاضي بعقد لقاءات شهرية بينهما. واقترحت سورية مشروع معاهدة أمنية، عرضها حسن صبري الخولي على رشيد كرامي، رئيس الوزراء اللبناني. وهي تُعَدّ ملحقاً لوثيقة، وقعها الرئيسان، في شتوره، من دون أن تعلن، باستعانة لبنان بالقوات السورية، لمدة عام، وأن تضمن سورية بقاء سليمان فرنجية في الحُكم.

وعلى الرغم من نفي سورية وجود معاهدة أمنية، إلاّ أنه ذكر أن المعاهدة، تتكون من 5 مواد، موزعة على 13 بنداً. وتنص على أن يتولى السوريون حفظ الأمن في لبنان، لمدة 3 سنوات، وهو تعديل لاتفاق شتوره. كما تنص على أن يتولَّى ضباط سوريون وأجانب، لم تحدّد جنسياتهم، إعادة تنظيم الجيش اللبناني، بالتعاون مع الضباط اللبنانيين، الذين وقفوا على الحياد في الأزمة. وأكدت المعاهدة تعهد سورية بالعمل، بالوسائل الملائمة كافة، لتطبيق اتفاق القاهرة وملحقاته. كما أعلن الرئيس السوري، أن أمْن لبنان، يرتبط بأمن سورية. وفي 29 يونيه 1975، أكد مسؤولون سوريون، أن ما يحدث في لبنان، يؤثر في أمْن سورية، وأن الشعب اللبناني توأم للشعب السوري، وأن أي خطوة نحو تقسيم لبنان، ستعني التدخل، وضمَّه إلى سورية، لأنه كان جزءاً منها، وفقاً لِمَا أعلنه الرئيس الأسد، في مؤتمر حزب "البعث"، سنة 1973. وأنه ليس هناك مبرر للحساسية من الحديث عن الوحدة بين البلدين، خاصة أن سورية تعرف حقيقة المواقف في لبنان، ربما أكثر من غيرها من الدول العربية، بحُكم أنها الدولة العربية الوحيدة، التي لها منظمات، وليس أفراداً، تحمل أسماء محلية، وتتحرك على ساحة لبنان بأسماء لبنانية، مثل حزب البعث، عاصم قانصوه، وتنظيم الأسد، كمال شاتيلا (الناصريين سابقاً)، عدا علاقاتها بقيادة الموارنة، ولا سيما بيار الجميل، "الكتائب"، وسليمان فرنجية.

ويكفي للدلالة على أن الغزو الإسرائيلي للبنان، لم يكن لمواجَهة حدث طارئ، وهو معركة الجبل، بل هي خطوة مدروسة ومتفق عليها ـ أن سليمان فرنجية، بعث إلى الأمين العام للجامعة العربية رسالة، بعد أسبوع من الغزو، يقول فيها: "إني، كرئيس للجمهورية اللبنانية، أرى الوجود المسلح في لبنان تنفيذاً لما تضمنته الوثيقة الدستورية، فبراير، من ضمان سوري لالتزام الجانب الفلسطيني بالاتفاقات المعقودة مع السلطات اللبنانية".

واللافت أن إسرائيل، كانت تهدّد باستخدام القوة، إنْ دخلت قوات سورية لبنان. وواشنطن كانت تنذر سورية وإسرائيل من التدخل. وفجأة، حدث تغيُّر، خلال أسبوع واحد، فتحوّل التهديد إلى ترحيب، والإنذار إلى دعم! وقد فسر بعض الدوائر البريطانية هذا التغيّر، بأن إسرائيل قبِلت منطق الولايات المتحدة الأمريكية، أن سيطرةً سوريةً على لبنان هي "أهون الشرَّين"، ثم تطور الأمر إلى اتفاق بينهما. وكان صاحب فكرة الاتفاق، هو الملك حسيناً، أثناء زيارته واشنطن، في أول أبريل 1976. وارتأت الفكرة الأردنية أن تضغط واشنطن على إسرائيل لترفع يدها عن لبنان، إذا تحركت قوات سورية إليه، شريطة أن تبقى القوات السورية بعيدة عن الجنوب اللبناني. ومقابل ذلك، تجدّد سورية مدة قوات الطوارئ في الجولان، التي كانت ستنتهي بعد شهر.

أمّا مصر، فكانت على خلاف مع سورية، في شأن دخولها لبنان. بيد أنه كان خلافاً حول الأسلوب، وسرعة الحركة فقط. وقد بلور ذلك، بوضوح، أن سورية لم تحصل على مكاسب من سياسة الخطوة خطوة، ففقدت الدافع إلى رسم سياسة طويلة المدى، لمواجَهة إسرائيل، بل انتابها الخوف على موقفها التفاوضي مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

وأصبح الرئيس الأسد، منذ مقابلته جيمي كارترJimmy Carter، في مايو عام 1977، يمثّل نقطة الارتكاز المهمة للولايات المتحدة الأمريكية، في الشرق الأوسط. وظهر أثر ذلك في ردود فعل دمشق تجاه ما يطلبه الاتحاد السوفيتي، الذي كان أرسل مذكرة، في 11 يوليه 1976، يحذرها من المضيّ في ضرب المقاومة و"الحركة الوطنية"، في لبنان؛ وكانت موسكو نصحت لدمشق، قبْل الغزو، بعدم التصادم مع المقاومة.

وبعد فشل سورية في فرض ما سُمِّي "الوثيقة الدستورية"، بذلت دمشق جهداً مكثفاً مع قادة لبنان، واجتمع الرئيس الأسد إلى ياسر عرفات، في 21 فبراير 1976. بينما أعلن وزير خارجية مصر، في 24 فبراير من العام عينه، أن كل ما تريده مصر للبنان، هو التخلص من الوصاية، بدفع أي تدخّل في شؤونه الداخلية.

وأصدرت قيادة حزب "البعث"، في دمشق، بياناً، في ذكرى 8 مارس 1976، رأت فيه أن إنشاء جبهة شمالية، هو ضرورة قومية ملحّة، وأن سورية تعمل على تقوية علاقتها بالأردن، في نطاق هذه الجبهة. أما ياسر عرفات، فأعلن، أن قوات لواء "عين جالوت" الفلسطيني، قد استدعيت من مصر، بأمر منه، وأمل أن تعود هذه القوات إلى مَواقعها، عندما تنتهي الحاجة إليها في لبنان. وبعد يومين، وقع انقلاب عزيز الأحدب، الذي عَدَّته سورية عملاً عدائياً، موجَّهاً ضد نشاطها في لبنان؛ حتى إن الرئيس الأسد أجّل زيارته إلى باريس، بسببه.

وفي اليوم نفسه، زار الملك حسين دمشق، لمدة ساعات للتشاور مع الرئيس السوري. وأعلن وزير داخلية الكويت، في 27 مارس 1976، ضرورة عقد مؤتمر عربي، لبحث الوضع المتفجر في لبنان. وهو اليوم عينه، الذي اجتمع فيه الرئيس السوري إلى كمال جنبلاط، لمدة 9 ساعات، حاول الزعيم اللبناني، خلالها، إقناعه، بأن مصلحة سورية تكمن في دولة لبنانية، تحكمها "الحركة الوطنية". ولكن الاجتماع انتهى إلى الفشل. وفي اليوم التالي، اجتمع ياسر عرفات إلى الرئيس الأسد، الذي ظَل على موقفه.

ودعا مجلس الأمن القومي المصري، في 28 مارس 1976، إلى تدخّل عربي في لبنان، وإرسال قوات عربية لإنهاء القتال فيه. وسلمت المبادرة المصرية للجامعة العربية، التي وزعتها على الحكومات العربية. وفي اليوم التالي، وجَّه الملك خالد والشيخ زايد، إثر اجتماعهما، نداء إلى لبنان، شعباً وقيادة، بإنهاء القتال. وأعلن رشيد كرامي، رئيس وزراء لبنان، بياناً، في 31 مارس 1976، يتهم فيه جنبلاط "بالعمالة والخيانة". وفي اليوم نفسه، وجَّه الرئيس السادات نداء إلى الرئيس فرنجية، يدعوه إلى عدم المغالاة في كبريائه الشخصية. وطالب بتشكيل قوة عربية، قادرة على وقف إطلاق النار، إذا وافق لبنان على ذلك.

وفي أول أبريل 1976، أعلن الملك حسين، من الولايات المتحدة الأمريكية، أن سورية لن تتدخل، عسكرياً، في لبنان، إلاّ بناء على طلب من السلطات اللبنانية المسؤولة، وزعماء لبنان الدينيين، من جميع الطوائف. وأعلن تضامنه مع أي تدخّل سوري محتمَل في لبنان، لمواجَهة الساعين إلى تغيير الحكم في لبنان إلى ما فيه مصلحتهم.واتّهم دمشق بتزويدها المتنازعين في لبنان بالأسلحة. وهاجم كمال جنبلاط، في اليوم عينه، الوجود السوري في لبنان، واجتياح الأراضي اللبنانية من جانب الجيش السوري. وردت "الصاعقة" السورية بنشر قواتها قرب مصفاة الزهراني، لحمايتها من إسرائيل، التي أعلنت معارضتها للخطوة السورية، فسارعت الوحدات السورية، التي أمكنها دخول لبنان، إلى الانسحاب منه.

وأعلنت الكويت معارضتها إرسال قوات عربية إلى لبنان، وإنْ كانت تؤيد اتخاذ مبادرة سياسية، لوضع حدّ لإراقة الدماء فيه. وأعلن الأمين العام للجامعة العربية، أن الحل الحقيقي للأزمة، يتمثل في عقد قمة عربية مصغرة، في أسرع وقت، لحل مشكلة لبنان. في حين، أعلن الملك حسين معارضة الأردن فكرة تشكيل قوة مسلحة من الدول العربية. ودعا كمال جنبلاط إلى تعريب الأزمة اللبنانية، وفوّض إلى عرفات مهمة تصحيح العلاقات بالقيادة السورية، بعد رسالة من دمشق، أكدت التحالف الإستراتيجي بين المقاومة وسورية، واستعدادها لبذل المساعي، تصحيحاً للعلاقة بـ "الحركة الوطنية". أمّا العراق، فاقترح، رسمياً، دعوة مجلس الجامعة العربية إلى اجتماع طارئ.

وإثر اجتماع ياسر عرفات إلى الرئيس الأسد، أمكَن التوصل إلى اتفاق، ينص على:

  1. وقف القتال، واتخاذ موقف موحَّد، ضد أي جهة تستأنف القتال.
  2. إعادة تشكيل اللجنة العسكرية العليا الثلاثية (سورية ـ لبنان ـ المقاومة)، لتحقيق وقف القتال، ريثما يُنتخب رئيس جديد، يقرر ما يراه من إجراءات الأمن.
  3. مقاومة التقسيم، بكل أشكاله، وأي عمل أو إجراء، من شأنه المساس بوحدة لبنان.
  4. رفض تعريب الأزمة، سياسياً وعسكرياً.
  5. رفض الحلول والخطط الأمريكية في لبنان.
  6. رفض التدويل، سياسياً وعسكرياً.

لم يكن الاتفاق سوى عملية تهدئة. ودليل ذلك عدم تشكيل اللجنة الثلاثية، بحجة عدم موافقة قيادة "الجبهة اللبنانية"؛ إذ إن زيارة الملك حسين إلى واشنطن، وإقناع إسرائيل بعدم الرد، في حالة التدخل السوري، لم يكونا قد أسفرا عن نتيجة بعد.

وفي 17 أبريل 1976، زار وفد سوري السعودية، حاملاً رسالة من الرئيس الأسد إلى الملك خالد، حول تطورات الموقف في لبنان. كما بعث ياسر عرفات برسالة عاجلة إلى الرئيس القذافي. ثم بعث الرئيس السوري برسالة إلى ملك الأردن، الذي استدعى سفيره إلى لبنان، في اليوم عينه، للتشاور. وما لبث الملك حسين أن زار دمشق، في 8 مايو 1976. وتقرر، خلال الزيارة، التنسيق بين البلدين، كخطوة على طريق الوحدة بينهما.

في هذه الأثناء، انتُخب إلياس سركيس رئيساً للجمهورية اللبنانية. وأُعلن عقد مؤتمر قمة مصغّر، من المملكة العربية السعودية والكويت ومصر وسورية، لتسوية الخلافات بين القاهرة ودمشق. وتوجه عبدالسلام جلود، رئيس وزراء ليبيا، إلى دمشق، في 15 مايو 1976، لمناقشة الوضع العربي، ثم زار لبنان، في صحبة ياسر عرفات.

ووسط الحملة العنيفة للمنظمات السورية في لبنان، على كمال جنبلاط، اغتيلت شقيقته، ليندا جنبلاط، في 27 مايو، على أيدي 6 مسلحين ملثّمين. وسارع كل من كميل شمعون وبيار الجميل إلى استنكار الحادث.